الرئيسيةرأي وتحليل

حادثة طرطوس ربما تكون نتيجة لتربية يلي بيضربك اضربو – ناجي سعيد

"بدّي انتقم منّه لأشفي غليلي!!!".. ما معنى "غليل"؟

سناك سوري-ناجي سعيد

يعتقد بعض الناس أن السلاح هو أداة للتواصل مع الآخرين، أي نعم، لكنّه للتواصل العنيف الذي يلغي الآخر. ومعظم الناس لا تعلم أن امتلاك السلاح له علاقة وثيقة بالتربية. لا بل امتلاك هذا السلاح هو نتيجة حتميّة للسلوك العنيف الذي يتبعه الأهل مع أطفالهم. ولا يهم أن يتراوح هذا السلوك بين العنف الجسدي (الضرب) أو المعنوي واللفظي (إهانة وتحقير).

وليس استخدامي لكلمة “تحقير” تجنّيًا على أحد. فالتحقير هو المصطلح المناقض لـ “التقدير”. فتقدير الذات هو مفهوم إيجابي، يبني داخل الطفل قيمة محبّة الأخرين. حيث يعمد الأهل (أو من جهلهم التربوي لا يقصدون) بأن يضعوا مدماك كره الآخر وتخويفهم منه، حين يوعظون الطفل بالجملة الشهيرة: “اللّي بيضربك اضربه“! ومن هذه القاعدة غير التربوية، لا يعلم الناس بأنهم يشرّعون بذهن الطفل “قانونيّة” شريعة حيوانات الغاب: البقاء للأقوى.

ومن غير المُستغرب الحادثة التي حصلت في طرطوس، ورغم أنها حصلت أمام القصر العدلي في طرطوس، إلاّ أنه لا علاقة لها بخلاف قانوني، فالخلاف شخصي. وإن دلّ على شيء فيدلّ على سيطرة اللا “تربية”، على القانون. وكما جسّده د.ممدوح حمادة في مسلسل “الخربة”، فإن الأستاذ صيّاح مدير المدرسة هو فقط من يؤمن بالقانون. والجميع يتبع قانون: “بو نايف وبونمر” اللذان افتعلا مشكلة لتحريض الناس على العنف فيما بينهم. وبهذا المشكل المُفتعل من قبل كبيري العائلتين، إخضاع الأتباع (لكلّ عائلة أتباعها) إلى مزاج الأفراد وإبعادهم عن القانون الذي يتساوى فيه الجميع.

اقرأ أيضاً: العنف المعنوي يبدأ بالجهل التربوي – ناجي سعيد

ولو فكّر كثيرًا رامي القنبلة في طرطوس، لما قُتل شخصان أو ثلاثة ربّما. من الطبيعي أن لا “يفكّر” من يعيش في غير بيئة تربوية، فالتربية السليمة فقط تشجّع على التفكير البنّاء الذي يُفضي إلى معرفة الذات وتقديرها. وبما أنّ طبيعة البشر خيّرة (جان ماري مولر)، فمن الطبيعي ألا يرتكب جريمة من حصل على تربية سليمة، منحته الاحترام والتقدير. فاحترام الذات ينشأ عند طفلٍ نال احترامًا من أهله ولم يُعنّف.

“اللّي بيضربك ضربه”! ومن هذه القاعدة غير التربوية، لا يعلم الناس بأنهم يشرّعون بذهن الطفل “قانونيّة” شريعة حيوانات الغاب: البقاء للأقوى ناجي سعيد

 

لست أبالغ حين أربط أسباب انتشار الفوضى واللاعدالة بغياب التربية. وأذكر ما قاله الدكتور وليد صليبي: أنّ صفعةً على وجنة الطفل هي تهديد للديمقراطيّة في العالم. فالشعور بالوحشة يلازم من لا يجد حضنًا دافئًا، ونراه تلقائيًّا وكردّة فعل النقص العاطفي الذي يفتقد إليه، يتطرّف بعدائيّته إلى درجة ارتكاب الجنحة والجريمة. ومن المصطلحات المناقضة للقانون هو الفردية المريضة، والتي تُدعى بعلم النفس “النرجسيّة”.

القانون لا يلغي الفرد، لكنّه يضع مواصفات للعيش مع الجماعة بسلام ومحبّة. فتنتهي حريّة الأفراد عند غاندي عندما تبدأ حقوق الآخرين.

منح القانون في بعض الدول الأجنبيّة الحق للأطفال أن يتّصلوا بالشرطة إذا ما عنّفهم أهلهم. يعتبر البعض أن هذا تعدٍّ على خصوصيّات العائلة، ولكنّ التربية التي لا تحترم مساحة الطفل الخاصّة، يجب أن تكون من إدارة الدولة. فالقانون ملكيّة الدولة، وتربية الأطفال هي أساس كل قانون.

القانون لا يلغي الفرد، لكنّه يضع مواصفات للعيش مع الجماعة بسلام ومحبّة ناجي سعيد

قيل: افتح مدرسة تغلق سجنًا! لا أتكلم عن الجريمة المُنظّمة نتاج العصابات والتفكير المافياوي، بل عن الجرائم الفردية التي نقضي عليها لو ركّزنا على التربية السليمة لأطفالنا. التربية السليمة هي تعزيز اللاعنف، اللاعنف الذي يمنع ردّ الفعل بعد أي فعل “عنيف”، لا بل يذهب بالمرء إلى التفكير لابتكار “فعل” يأتي بعد أي فعل عنيف، يتميّز هذا الفعل بأنّه ليس ردًّا عاطفيًا مُدمّرًا، بل هو يأتي بعد عملية تفكير بنّاءة تكون كجواب يُوقظ إنسانيّة الفاعل الذي انفعل نتيجة تراكم ظروف أبعدته عن إنسانيّته، ليعتقد عكس الطبيعة بأن نفس البشر أمّارة بالسوء! فتسمع عند حدوث أي جريمة وبأي مكان، من أهل المغدور وأمام وسائل الإعلام: أطالب بمعرفة المجرم، بدّي انتقم منّه لأشفي غليلي!!! والسؤال: ما معنى “غليل”؟.

اقرأ أيضاً: محوّ الأمية العاطفية – ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى