أخر الأخبارالرئيسيةسناك ساخن

الساحل السوري بين عصابات إجرامية وعصابات إجرامية

مجازر على أساس الهوية وقتل خارج القانون... الدولة أمام تحدي أن تكون دولة

“لا نعرف من سيقتل بعد قليل” هذه أكثر عبارة تسمعها في الساحل السوري منذ مساء يوم الخميس وحتى هذه اللحظة التي ترتكب فيها مجازر في جبلة واللاذقية وبانياس وطرطوس وريف حماه يذهب ضحيتها مدنيون “علويون” على أساسٍ طائفي.

سناك سوري – الساحل السوري

لم تنجح دعوة الرئيس السوري “أحمد الشرع” أمس لحماية المدنيين اليوم من الفصائل الموالية للسلطات السورية الجديدة والتي ما تزال حتى هذه اللحظة ترتكب الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين في إطار فزعتها استجابة لدعوات الجهاد في الساحل السوري ومحاربة فلول النظام.

وفي ساعة إعداد هذه السطور 12 ظهراً بتوقيت دمشق ترتكب الآن عمليات إعدام على أسس طائفية في مدن جبلة وبانياس وريف الاذقية وحماة ومصياف.

وتشير الإحصاءات الأولية إلى وقوع أكثر من 400 مدني ضحايا استهداف يتم على أساس الهوية الطائفية في المناطق المشار لها.

بينما لا تزال الجثث منتشرة في الشوارع حتى الآن ويعجز الأهالي عن إسعاف أبنائهم في المناطق المستهدفة والتي يتحول فيها أي شخص يخرج للشوارع إلى هدف للقوى الأمنية والعسكرية المنتشرة في المنطقة. بينما تغيب سيارات الإسعاف والطواقم الطبية بشكل شبه كامل ويعجز الأهالي عن إسعاف أبنائهم.

شهادات الأهالي التي جمعناها والفيديوهات والصور التي تم رصدها وتحليلها والتحقق منها تشير إلى ارتكاب مجموعات مسلحة من ضمن الحملة العسكرية التي تشنها السلطات السورية جرائم قتل جماعية بحق المدنيين في عدة قرى مثل “المختارية والقبو وعين العروس” بريف اللاذقية، بالإضافة لقرية “أرزة” في ريف حماة الشمالي والتي تم تهجير من تبقى منها بعد ارتكاب المجزرة فيها، حيث تم جمع أهالي مدنيين في مكان واحد وإطلاق النار عليهم بشكل مباشر لقتلهم.

جرائم القتل المرتكبة خلال العمليات العسكرية التي أعلنتها السلطات السورية لملاحقة من تصفهم بـ “فلول النظام” يتنوع شكلها، حيث سجّل سناك سوري ثلاث أنواع متكررة لجرائم القتل المباشر الأول داخل المنازل بعد الدخول إليها بحجة تفتيشها حيث يتم إطلاق النار على سكان المنزل سواء بشكل جماعي كما حدث في “بانياس” (الصورة أعلاه لأفراد عائلة الدكتور بسام صبح الذين تم قتلهم جميعاً في منزلهم) أو لأفراد من المنزل كما حدث في باقي المناطق.

ومن بين الحالات التي وثقناها بريف جبلة قتل شاب في منزله على أوتوستراد بيت ياشوط حيث دخلوا الى المنزل ورأوا أنه شاب يرعى شقيقين من ذوي الاحتياجات الخاصة منذ ولادتهم، ومع ذلك تم قتله أمام شقيقه وشقيقته من ذوي الاحتياجات الخاصة علماً أن والديهما متوفيان وبقيا بدون معيل.

النوع الثاني المتمثل بالقتل العشوائي في الشارع من خلال اعتبار أي شخص متحرك في أحياء وقرى معروف بأن سكانها من العلويين هدفاً للقتل. وبحسب شهادات الأهالي في مدينة جبلة فإن أي شخص خرج من بيته صباح اليوم لتحصيل ربطة خبز مثلاً تم استهدافه.

النوع الثالث المتمثل بالإعدام خارج إطار القانون والذي يستهدف أفراداً من مجموعات مسلحة يطلق عليها تسمية
“فلول النظام”. حيث تم تسجيل العديد من حالات القتل بعد الاستسلام أو الإجهاز على الجرحى وبعضها موثق بالفيديو. وهذه جميعها جرائم بالقانون الدولي الذي يوصفها بالقتل خارج إطار القانون حيث يجب أن يتم تحويل هؤلاء للقضاء ومحاكمتهم ويعتبر الإجهاز عليهم جريمة حرب.

كما شملت عمليات الإعدام أي أشخاص يحملون ورقة تسوية التي تمنحها السلطات وذلك بحجة أنهم عسكريون سابقون.

قتل شيخ الطائفة العلوية “شعبان المنصور”

كما نعى المجلس الإسلامي العلوي الشيخ “شعبان المنصور” وهو أعلى مرجع ديني عند الطائفة الإسلامية العلوية ويبلغ من العمر أكثر من 80 عاماً. وتشير المصادر أنه تعرض للاختطاف من منزله على يد مجموعات تكفيرية ومن ثم تم قتله.

بالمقابل دعا المجلس في بيان سابق من يوم أمس الجمعة إلى حماية الطائفة العلوية دولياً وتطبيق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

إهانة الكرامة الإنسانية خلال عمليات التفتيش

المستوى الثاني من الانتهاكات تمثل بإهانة الكرامة الإنسانية للأهالي أثناء تفتيش بيوتهم والذي أخذ عدة أشكال أيضاً، منها الضرب بالأيدي والعصي على مناطق مختلفة من الجسد.

ومنها الشتم الطائفي واستخدام مفردة “خنازير” بشكل متكرر بالإضافة إلى شتم الأهالي بشكل جماعي وغيرها من ممارسات.

كذلك إجبار الأهالي على القيام بأفعال حيوانية مثل العواء حيث يدعو العنصر الذي يفتش البيت أفراده للعواء “عوي ولاك”.

عمليات نهب وسرقة على نطاق واسع

ترافقت الحملة العسكرية على الساحل السوري مع عمليات نهب على نطاق واسع في مختلف الأحياء والقرى والبلدات خصوصاً يوم الجمعة وصباح اليوم السبت.

وأخذت عمليات النهب شكلين أيضاً، الأول عبر عناصر تفتش المنازل حيث يقومون بجمع كل ما أمكن من أشياء ثمينة ويأخذونها. في حين يدخل البعض الآخر ويخرج من البيوت دون أن يأخذوا معهم أي شيء.

النوع الثاني متمثل بمدنيين يحتمون بالفصائل العسكرية التابعة للحكومة السورية والذين نفذوا عمليات سرقة للمحال التجارية بشكل واسع في جبلة وبانياس واللاذقية.

مخاوف من خطف الجثامين

أهالي عبروا عن مخاوف من خطف جثث أبنائهم المنتشرة في الشوارع والمنازل وذلك بعد رصدهم قيام مجموعات مسلحة بجمع جثامين كانت منتشرة في شارع الفروة بحي الجبيبات الغربية وأمام أبنيته.

هروب الأهالي في البراري

بالمقابل سجل هروب آلاف المدنيين إلى المناطق الزراعية والمناطق البرية في ريف الساحل السوري والذين مازالوا موجودين فيها ونتحفظ على ذكرها حفاظاً على سلامتهم.

كما لجأ أهالي “العسيلية والرميلية وحميميم” في ريف جبلة إلى قاعدة حميميم الروسية العسكرية لحمايتهم من المجازر وبعد طول انتظار سمح لهم بالدخول وباتوا ليلتهم في المطار. وأكد الأهالي الذين تواصل معهم سناك سوري أنهم مدنيون هربوا من المجازر واحتموا في القاعدة ولا يوجد بينهم فلول نظام كما ادّعت بعض وسائل الإعلام.

مطالب بدخول الصليب الاحمر فوراً إلى الساحل السوري

مناشدات واسعة من الأهالي صدرت بتدخل منظمات دولية وعلى رأسها الصليب الأحمر وأطباء بلا حدود وغيرهم من المنظمات الطبية من أجل معالجة المصابين الذين ما زالوا في بيوتهم ولا يتم إسعافهم بالإضاف إلى جمع الجثامين وحمايتها.

مطالب بإدخال مساعدات إنسانية عاجلة

بالمقابل يتدهور الوضع الإنساني في الساحل السوري بشكل كبير جداً بسبب الجرائم والانتهاكات وعمليات السرقة وعدم وجود أفران تصنع الخبز في معظم المناطق وغياب الأمان الشخصي والجماعي وإغلاق المحلات التجارية ونهب بعضها وعدم توفر الأموال لدى الناس لشراء احتياجاتها مايتطلب تدخلاً إنسانياً عاجلاً بالمساعدات على مختلف أنواعها.

إيقاف الحملة فوراً ومنع الانتهاكات

بالمقابل صدرت مئات النداءات من ناشطين ومثقفين وفاعلين وحقوقيين ذكوراً وإناثاً، ومنظمات في الساحل السوري وسوريا كلها تدعو إلى وقف الحملة التي تستهدف الساحل السوري وإيقاف الانتهاكات التي لا تتخذ طابع الحالات الفردية بل تعد سلوكاً ممنهجاً يتم ممارسته بشكل جماعي على المدنيين في الساحل السوري.

كذلك الأمر صدرت دعوات لفتح تحقيق دولي ومحاسبة المسؤوليين عن الجرائم التي تم ويتم ارتكابها في هذه الأثناء.

كما شملت الدعوات صحفيين/ات شاركوا بتغطية المعارك والأحداث على الأرض وكانوا قادمين مع الفصائل التي جاءت من إدلب واعزاز وحماة وحمص إلى الساحل السوري.

السوريون في الساحل السوري يحتضنون بعضهم بعضاً

وعلى الرغم من الكم الهائل للتحريض والجرائم الطائفية فإن اهالي في الساحل السوري جسدوا أشكالاً مختلفة من الاحتضان. ففي اللاذقية احتضنت عائلة عنصراً بالامن العام وحمته حتى عودة الهدوء نسبياً ومن ثم خرج وكتب شكراً لها.

وفي بانياس وجبلة استضافت عائلات جيرانها وأصدقاء من أحياء أخرى مهددة لحمايتهم من التهديدات الطائفية.

في حين انتشرت حملات التضامن على السوشل ميديا على أوسع نطاق ممكن لمواجهة حملات التحريض التي لم تكن قليلة أيضاً.

كيف بدأت أحداث الساحل السوري… والتحريض على الجرائم؟

بدأت الحكاية ظهر يوم الخميس 6 شباط 2025 عندما دخلت قرى الدالية وبيت عانا قوات تابعة للأمن العام لاعتقال مطلوبين للسلطات السوري فطلب الأهالي منهم مذكرة رسمية وتطور المشهد لمواجهة مع الأمن العام. وتضاربت الروايات حول شكل المواجهات داخل القريتين لكن المؤكد أنها تطورت إلى مواجهات بالأسلحة أودت بحياة عناصر من الأمن العام على طريق فرعي وهو ما يظهره مقطع فيديو أيضاً.

بعد ذلك تدخل الطيران المروحي وظهرت مقاطع فيديو من قرية بيت عانا تظهر المروحية وهي تقصف بعض المواقع، ليتبعها ظهور طائرة حربية أيضاً في الأجواء والتي تؤكد جميع الشهادات التي حصلنا عليها أنها لم تشارك في القصف واقتصر الأمر على المروحية.

الأمور لم تنتهِ عند هذا الحد حيث تدخلت المدفعية من مقر وزارة الدفاع في مدينة جبلة الواقع داخل الكلية الحربية وأطلقت 6 رشقات باتجاه قريتي بيت عانا والدالية.

مصدر أمني باللاذقية قال لـ سانا أن مجموعات من فلول ميليشيات الأسد تقوم باستهداف عناصر وآليات لوزارة الدفاع قرب بلدة بيت عانا بريف اللاذقية، ما أدى لاستشهاد عنصر وإصابة آخرين.

تبع ذلك هجوم واسع من عصابات مسلحة تسمى فلول النظام على نقاط عسكرية وأمنية مما أودى بحياة عشرات العناصر الأمنية والعسكرية يوم الخميس سواء في كمائن غادرة أو في مواجهات مسلحة مباشرة.

من ثم صدر بيان مذيل بتوقيع عميد سابق في جيش النظام اسمه “غياث دلا” يدعو لمعركة تحرير سوريا ممن وصفهم البيان بالعصابات الإرهابية. وترافق مع ظهور تسجيلات صوتيه لمقداد فتيحة أحد قادة العصابات المسلحة في الساحل السوري.

وسيطر المهاجمون على نقاط عسكرية في اللواء 107 والكلية البحرية في مدينة جبلة فيما انتشر مسلحون في بعض الشوارع والمناطق يحملون أسلحة بنادق ورشاشات خفيفة.

بعدها بدأت مساجد في مناطق مختلفة من سوريا تطلق دعوات للجهاد في الساحل السوري، وأصدر المجلس الإسلامي السوري بياناً يدعو فيه للتجاوب مع دعوات النفير العام بالمال والنفس.

كما خرجت مسيرات دعم للحكومة السورية في مناطق مختلفة من سوريا غطتها وسائل الإعلام الحكومية والموالية لها بشكل مكثف. بينما ظهرت في بعضها هتافات طائفية وحملت دعوات للجهاد أيضاً.

ما لبثت بعد ذلك أن بدأت تظهر فيديوهات لأرتال عسكرية تتجه إلى الساحل السوري بدا أنها من أعزاز وإدلب وحمص وحماة وغيرها.

وتضمنت الفيديوهات التي نشرها كمؤازرات لوزارة الدفاع والأمن العام في الساحل السوري مفردات مثل المجاهدين في طريقهم إلى الساحل السوري، بالإضافة للعبارات الطائفية الواضحة والموثقة بالفيديوهات.

وكانت أول محطة وصلتها هذه الأرتال بلدة المختارية في ريف اللاذقية والواقعة على مقربة من طريق إدلب اللاذقية وسقط فيها عشرات الضحايات بمجزرة موثقة.

وترافقت الأرتال مع خطاب تحريضي واسع على السوشل ميديا وغياب لرد الفعل الحكومي أو الإعلامي من الوسائل التابعة للحكومة السورية.

بالمقابل اقتصرت البيانات الحكومية في الساعات الاولى على محاربة فلول النظام وبدأ البعض يطلق سردية أن فلول النظام يقتلون أهالي الساحل السوري وهو تكرار لسرديات كان النظام السوري المخلوع قد استعملها طويلاً للتغطية على جرائمه.

إلا أن السلطات السورية عادت واعترفت بوجود انتهاكات يوم أمس الجمعة وتوعدت بمواجهتها، في حين خرج الرئيس السوري أحمد الشرع مساءً ليتوعد الفلول وطالب جميع القوى التي التحقت بمواقع الاشتباك بالانصياع الكامل للقادة العسكريين والأمنيين هناك، وأن يتم على الفور إخلاء المواقع لضبط التجاوزات الحاصلة، ليتسنى للقوى العسكرية والأمنية إكمال عملهم على أتم وجه.

وواجه خطاب “الشرع” انتقادات من عدة أوساط سورية نظراً لعدم تضمّنه أي نوع من ذكر الضحايا المدنيين أو الإشارة لهم أو الترحّم عليهم.

بعد كلمة “الشرع” استمرت الأعمال العسكرية في الساحل السوري وتمت السيطرة على معظم المناطق، وفي مدينة جبلة أعلنت السيطرة على المدينة ظهر أمس الجمعة ضمن ما وصف بـ “فتح جبلة” من قبل المجاهدين. وعلى الرغم من ذلك شهدت المدينة ارتكاب عمليات قتل على الهوية مستمرة حتى الآن.

وعلى الرغم من إعلان السلطات السوري عند الساعة 13:48 عن وقف الحملة الأمنية بالساحل السوري إلا أن الأهالي أكدوا أن الحملة ماتزال مستمرة وحصلنا على شهادات من أحياء الأزهري باللاذقية والجبيبات في جبلة عن دخول فصائل لمنازلهم وتفتيشها عند الساعة 14:30 دقيقة.

بالمقابل فإن شهادات الأهالي وتوزع الانتهاكات وانتشارها تشير بشكل واضح أنها لا تقتصر على مجموعة صغيرة بل على مجموعات واسعة منتشرة في مختلف المناطق من مصياف إلى طرطوس وبانياس وجبلة واللاذقية وأريافهما وصولاً إلى ريف حماة. علماً أن حماية المدنيين حتى في ظل المواجهات مع “الفلول” يندرج ضمن مسؤوليات الدولة التي يبدو أنها لم تنجح في امتحانها الأول من هذا النوع.

زر الذهاب إلى الأعلى