الرئيسيةيوميات مواطن

زوجتي ستحلبني إن عدت بلا “البقرة”.. كله من “ترامب”!-شاهر جوهر

كلٍّه من ترامب، كلّه من العقوبات.. دجاجاتي لا يبضنّ وبقرة حمارة دونكيشوت بمليون و200 ألف!

سناك سوري-شاهر جوهر

المشهد الأول:

قد يكذب المرء بسهولة على زوجته في ساعة حميمية، ولربما يستطيع فعل الأمر عينه أمام العدو أو حتى على موظفي الاحصاءات الحكومية، لكن من الصعب أن يمرر طفل في الثالثة أيمانك المغلّظة حين تحلف له أن لا بيض لديك في هذه الساعة المتأخرة.

عند صلاة الفجر أيقظني ولدي باكياً يريد بيضاً، الحمدلله أنه لم يطلب بطيخاً في هذا الجو الكانوني البارد كما في الليالي الفائتة، فلسوء الطالع أن الثلاجة فارغة، وصاحب الدكان الوحيد في الحي لن يفتح دكانه حتى العاشرة، ودجاجاتي مذ تم تطبيق العقوبات الأمريكية على البلاد ما عدنّ يلقينّ بيوضهنّ في الخُمِّ كما العادة.

لهذا و أمام عناده في هذا الوقت سريت كخفافيش الظلام إلى جارتي “هندية”، فلديها دجاجات لسنّ حساسات مثل دجاجاتي، و لا يتأثرن بالوضع السياسي للبلاد. لربما لهذا السبب يكثر الطلب على شراء دجاجها. فقبل شهر نصحتني أن أشتري منها فرختين، قالت لي إن حظّها جيد في تدّجين الطيور، بالفعل قمت مسحوّراً بحديثها بشراء إوزتين من فصيلة الإوز الثرثار، لهن منقار مُفلطح، ورقبة طويلة، وريش طارد للماء، ما جعلني أصنع لهنّ بركة ماء صغيرة وخُمٌّ واسع ومرتفع، سقفته بأعواد القصب، وفرشت أرضيته بالتبن كي يفقّسنّ بيوضهنّ في موعدهنّ (كما علّمتني جارتي)، في اليوم التالي حين استيقظت كان الثعلب قد لوى عنق إحداهنّ وهرب، في حين سرق صبيان الحي الإوزة اليتيمة الأخرى.

المزعج في القضية أنه في هذا الصباح ابتاعتني هذه الجارة الحنونة البيضة الواحدة بـ 75 ليرة وبلا أي مراعاة أو تعويض لمشاعري عن خسارتي للأوزتين، وحين سألتها عن سبب احتيالها عليّ بهذا السعر، ردّت بتظلّم: «إنها العقوبات»، لعن الله الحصار، حتى مؤخرة الدجاجة لم تفلت منه.

اقرأ أيضاً: لن يلتفتوا لمطالبك إن لم تتلبّط وتصرخ أمامهم – شاهر جوهر

المشهد الثاني

بعد دقائق اتصل بي صهري. عادي، يحدث أن يتصل هذا القريب في هذا الوقت المبكر، إذ تقول القاعدة إنه عليك التعامل مع الصهر كما التعامل مع الابن، ويحق للصهر الاتصال في أي وقت، لهذا يسمى الصهر صهراً لأنه ينصهر ويذوب كالحديد في عائلة الزوجة.

أخبرني أنه سيزورني لأمر ما، ثم أغلق هاتفه بلهجة الأمر: «لا تخرج من البيت». صحيح أنه رجل طيب إلا أنني أحفظه بصماً، أنا متأكد أنه سيعرض عليّ رغماً عني لأكون شريكه في إحدى مشاريعه الاستثنائية كما العادة. لربما لديه إشارة أو طلسم من حقب قديمة ويبغي أن نحفرها معاً، فهي مصلحة تستهويه رغم أنه لم يجد يوماً فلساً واحداً، و من يدري لربما يريدني أن أشاركه في زراعة الفستق أو الفراولة أو أي محصول لا تقبله أرض البلدة أو لم يسبقه عليه أحد في زراعته من قبل، فالأصالة في أعماله قد لا تجدها عند شخص آخر.

انتظرته لساعات بعد الموعد المحدد، إذ تقول القاعدة الأخرى يحق للصهر ما لا يحق لغيره، فإن تأخر أو حتى لم يأتِ في موعده فهو معذور. فحين جاء متأخراً أجاب على كل تكهناتي السابقة حين قال بنشاط:
– كل شيء تمام، كل شيء روعة، الحياة حلوة، كل ما في الأمر أني أريد أن أشتري بقرة
– بقرة يا صهر ؟!
– نعم بقرة
– بقرة يا صهر ؟!
– نعم بقرة، هل أنا أصغر من ألا أشتري بقرة
– هل وجدت كنزاً؟
– أقول لك بقرة وليس سيارة
– لعلّك أخذت قرضاً إذاً؟
– قرض !! إن البنك العقاري يحتاج لمن يقرضه، طبعاً لا
– إذاً سرقت أحداً ؟
– وهل تريدني أن أسرق بنطال “كريّم” الوردي مثلاً ؟ (للتوضيح “كريّم” هو شاب في البلدة يشتهر ببناطيله الوردية)
– إن لم يكن كذلك فمن أين لك ثمن البقرة، فأنا أعرف حالك جيداً إن دخلت الفأرة لمنزلك خرجت مصابة بسوء تغذية.
– لا تخشى شيء

اقرأ أيضاً: هذا الشتاء قاسٍ جداً جداً – شاهر جوهر

ابتسم حتى وصلت ابتسامته لأذنيه. ثم انطلقنا لأحد الأشخاص في البلدة، قيل إنه عرض بقرته للبيع بسعر زهيد، كان رجلاً مغروراً جداً، أخبرناه نيتنا في الشراء، ولشدة غروره كنا نسحب الكلمات منه سحباً، وحين علم سبب قدومنا، نظر إلينا ثم بصق من فرجتي أسنانه على الأرض، و ساقنا لزريبته دون أن يقول حرفاً، كانت الزريبة خالية سوى من بقرة واحدة، ناحلة ومدعوكة بالزبل والطين حتى برزت عظام قفصها الصدري، قال صهري :
– إننا نرغب في شراء بقرة وليس حمار دونكيشوت سيدي
– هذا الموجود، لن تجد بقرة رخيصة مثل هذه البقرة في السوق كله، لقد سامها عشرة تجار ولم أبعها.
– أخيراً نطق دونكيشوت، أقسم بالله الذي خلق هذه البقرة الميتة لقد افتكرتك أخرس .. هل بقرتك (عاملة ريجيم؟).
– ارتفع سعر كيلو العلف أضعاف، لو عندي قدرة لشراء علفها ما كنت عرضتها للبيع

أخذني صهري على جنب:
– أفكر أن أشتريها، صحيح أنها قد تموت لمجرد أن تعطس وإنني إن قررت ذبحها قد لا تكفي أختك على الفطور، لكني أرى يا أبو النسب أنه بفرق السعر بإمكاني أن أشتري معها معزاية.

استدار نحوه صهري:
– وكم ثمن هذه الميتة يا معلم ؟
– كما طلبت من التاجر الذي قبلكم ؟
– وكم طلبت من التاجر الذي قبلنا ؟
– كما طلبت من التاجر الذي قبله.
– لا حول ولا قوة، وكم طلبت من التاجر الذي قبل قبله؟
– كما طلبت …

قاطعه صهري بانفعال :
– يووه ،خلّصني وأخبرني كم ثمنها يا رجل لدي أعمال؟
ضحك الرجل بلا رغبة :
– هذا أسلوب التجارة، لا عليك يا كدر، لقد دفعوا لي بها مليون ومئتي ألف ولم أبع.

أصيب صهري بكل أنواع الصدمات النفسية، فتح فمه ثم صاح بصوته المخنوق :
– يا ربي ماذا يقول هذا الرجل، هل هذا الحمار الميت بهذا السعر ؟
ثم اقترب نحو البقرة واحتضنها وحاول حملها بعصبية حتى امتلأ قميصه بالطين :
– إنك تمازحني أليس كذلك ؟
رفع البائع حاجبيه :
– هأ
-بربك هل تستحق هذه الجثة مليون ليرة ؟ !
صوّب البائع كلماته بهدوء :
– ومئتي ألف
سحبت صهري ثم وشوشته :
– بكم كنت تتوقع أن تشتري بقرة ؟
قال وقد رشح أنفه من هول الصدمة :
– مئتي ألف يا نسيبي
– ألا تعلم أن الأسعار ضربت عشر مرات
قلت للبائع :
– إنه مبلغ كبير
– أنا قلت أن التجّار دفعوا لي مليون ومئتي ألف ولم أبع، ثمنها مليون ونصف ليرة سورية لا غير .
اقترب صهري نحوي كمن يريد البكاء :
– هل عيناي دامعتان ؟
– نعم
– هل يؤلماني؟
قلت :
– يبدو ذلك
فرك عيناه ثم عاد في حديثه للتاجر :
– اتقِ الله يا رجل بهذه البهيمة وحررها
– هات مليون ونصف وحررها، هل كنت تعيش في كهف قبل أن تفكر في الشراء، اذهب واشتري دجاجتين وقم بحلبهن إذاً. نحن نقع تحت الحصار.

غادرنا المكان، في الطريق دأب صهري يندب حظه :
– سأخبرك بسر
– تفضل
– إن عدت للمنزل بدون بقرة ستحلبني أختك بدون شك، أريد أن تتصل بها وتخبرها أن ترامب هو السبب، أخبرها أن العقوبات دمّرت حياتي ..

قبل الوصول إلى المنزل صرخ عليّ ابني من بعيد :
– هل أحضرت لي موزاً أحمراً ..؟
توقفت عن المسير، وقفت أمام صهري، سألته :
– هل عيناي دامعتان ؟
– يعني
– هل يؤلماني ؟
– يبدو ذلك
– كله من ترامب، كله من العقوبات

اقرأ أيضاً: من لا يرضى يعيش أفضل – شاهر جوهر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى