الرئيسيةرأي وتحليل

ماذا تعرّفون عن مفهوم العنف بالتسلسل؟ – ناجي سعيد

الترويض التربوي الداخلي يجعل العالم مليء بالحب واللاعنف

سناك سوري-ناجي سعيد

حين تعرّفتُ بمفهوم “العنف بالتسلسل”، لم أتفاجأ بأن أوّل محيط يصيبه هذا النوع من العنف هو الأسرة، وتحديدًا الأسرة التي يتجاوز عدد أفرادها الخمسة أشخاص.

نعم فقد لاحظتُ أن عبد الكريم يصرخ بأخيه حسين فور حضوره من العمل إلى المنزل، بأن يترك المكان المواجه الاستراتيجي لمشاهدة التلفاز. ومن المتعارف عليه في الأُسر المذكورة، أن الأفضليّة في الحصول على المكان تكون بحسب قاعدة: “اللي سبق شمّ الحبق”. وكي لا يُظلم الكبير، فالاحترام المتواجد أصلاً بين أفراد العائلة أن يترك الصغير المكان المذكور للأكبر سنًّا تقديرًا لتعبه في العمل ووصوله متأخّرًا إلى المنزل!.

وبهذا الشكل كي لا نوعظ أحد نقول: بأن التربية اللاعنفيّة، تفرض احترامًا تربويًّا بين أفراد العائلة. فالكبير يحترم الصغير كما العكس تمامًا. فلا يحصل هذا العنف المعتمد على السلسلة. الموجودة على أساس عامل بيولوجي. لذا وكي نتفادى هذا العامل البيولوجي الحتمي، لا بدّ لنا من وضع أسس تربوية لاعنفيّة. ففي التربية تُقاس انسانيّة المرء باحترامه للآخر.

الاحترام ليس مرتبطًا بالعمر. ولكي أكون واقعي الطرح، للكبير احترام أكثر يميّزه قدرته على التحمّل. فلو صادف ركوب شابّ أو شابّة حافلة نقل عام جلوسًا على أحد المقاعد، وفي الوقت عينه صعد رجلٌ مُسنّ، فمن الاحترام الخياري -لا تفرضه سوى تربية الشابّ/ة- ترك المقعد للمُسنّ! فالأنانية لا تعني أن تلزم مكانك دون الاعتناء بالآخر المُسنّ. لا بل تلك تُدعى النرجسيّة المرضيّة التي يتربّى عليها الشباب جهلاً!.

قد لا يرى البعض هذا مثالاً على عنف التسلسل. ولكنّ أن تحترم الكبير فهذا حُكمًا يدفعه إلى تجنّب عنف التسلسل من خلال احترامه للصغير، ممّا يجعله يقدّم المساعدة للصغير إن لزم الأمر من خبرته الحياتية. وهذا سلوك أن لم يعتريه الاحترام المُتبادل يجعل قانون الأسماك يسري في مجتمعنا، حين يأكل الكبير الصغير. فماذا لو رغب “حسين” بمشاهدة مسلسله المُفضّل من المكان الاستراتيجي؟ لا شيء، فقد “يُطنّش” ظاهريًّا، ولكن هل يعلم أخوه الكبير بأن تراكم المشاعر السلبية عند حسين، قد تؤدّي إلى الكثير من السلوك الخاطئ؟.

اقرأ أيضاً: باليوم العالمي للاعنف.. درهم وقاية خير من قنطار عنف – ناجي سعيد

يظنّ الجميع بأن العنف يُرتكب من خلال جينات وراثيّة! لا بالطبع، فلو كان ذلك لانتشرت شريعة الغاب. وأكل الكبير الصغير. فالتربية السليمة مبنيّة على أسس الاحترام المتبادل والحبّ بين الجميع. ففي حال غاب الحبّ غاب الاحترام المتبادل. والنقيض لما أقوله، موجود من خلال تفشّي مفاهيم سلبيّة تأخذ في النفس البشريّة مكان القيم الإيجابية. فمن لا يعرف أسطورة “قابيل وهابيل”؟ وكيف أن الله خلق هذه الأسطورة لنتعرّف من خلالها بمفهوم سلبي هو “الغيرة”. الذي وُجد داخل أحد الأخوة ليقتل أخاه.

يظنّ الجميع بأن العنف يُرتكب من خلال جينات وراثيّة! لا بالطبع

 

عنف التسلسل وُجد مع الغيرة والطمع والخوف من الآخر. هذه المفاهيم السلبيّة أوجدت عنف التسلسل الذي يرتكبه المرء عندما يتمكّن. والعوامل الطبيعية البيولوجيّة تقع ضحيّة هذا العنف بالتسلسل. نعم فتتفاعل المفاهيم السلبيّة داخل الانسان وتأمره ليتحيّن الفرصة المناسبة بارتكاب عنف يلغي الآخر.

الطمأنينة هي القيمة الإيجابيّة التي حين تدخل نفس الانسان تطرد الخوف والطمع والغيرة.

وقد أُثبت علميًّا بأن لكلّ إنسان “منطقة آمنة” (comfort zone)، تجعله يطمئنّ للدائرة الصغيرة التي نشأ فيها. فينمو العنف والأذى حين يلتصق الانسان داخل هذه المنطقة. فمن أسس اللاعنف، وكي ينتشر بين البشر لا بدّ لكسر جدار الطمأنينة المُزيّفة، ففي اللاعنف، كل العالم هو منطقة آمنة.

وقد قالها الإمام عليّ بن أبي طالب: “وتحسب أنّك جرمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبرُ”، إن هذا القول ليس إشارةً إلى الانزواء داخل النفس دون الاهتمام بالعالم الخارجي، بلّ للاهتمام بالخارج من خلال وضعه في القلب والعناية به. فحين تروّض العالم بداخلك تربويًّا، تكون قد قضيت على المفاهيم السلبية وجعلته عالمًا صغيرًا ملؤه الحب والاحترام..واللاعنف.

اقرأ أيضاً: العنف المعنوي يبدأ بالجهل التربوي – ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى