
رغم ما تحمله خطوة رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا من دلالات إيجابية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، إلا أن الطريق نحو التعافي ما زال محفوفاً بتحديات بنيوية معقدة، ويرى مختصون وخبراء، أن رفع القيود وحده لا يكفي لإغراء رؤوس الأموال العالمية بالعودة إلى أي سوق دون ضمان مقومات الأمن والاستقرار السياسي.
سناك سوري-دمشق
يرى الخبير الاقتصادي “عمار يوسف” أن سوريا، في حال تهيئة الظروف الملائمة، ستكون قادرة على اجتذاب استثمارات ضخمة تتراوح قيمتها بين 300 و350 مليار دولار خلال خمسة أعوام، وأضاف أن مصادر هذه الاستثمارات ستكون متنوعة، مرجحاً أن تأتي بالدرجة الأولى من الولايات المتحدة وأوروبا خصوصاً فرنسا، بالإضافة إلى الخليج العربي مثل السعودية، الإمارات، وقطر، وتركيا التي يتوقع أن تلعب دوراً استثمارياً محورياً.
لكن “يوسف” يشدد على أن رفع العقوبات ليس سوى البداية، ويقول في تصريح نقلته “اندبندنت عربية”: «النجاح في استقطاب الأموال يرتبط بتوافر الأمن الاقتصادي والاستقرار السياسي، فالمستثمر ينجذب إلى البيئة الآمنة التي تحفظ وجوده وتؤمن أمواله وتيسر أعماله من دون قيود»، مشيراً إلى أن وجود أي مظهر مسلح يعني تأجيل قرارات الاستثمار وهذا ما يجب العمل سريعاً لإيجاد حلول جذرية له.
في السياق ذاته، يصحح مستشار الاقتصاد السياسي “أسامة القاضي” الفكرة الشائعة بأن “رأس المال جبان”، معتبراً أن رأس المال “حكيم” ويبحث عن بيئة مستقرة بعيدة عن المخاطر، ويضيف أن الاستقرار الأمني والسياسي هو مطلب أساسي لضمان تدفق رؤوس الأموال.
الخبير الاقتصادي عمار يوسف: النجاح في استقطاب الأموال يرتبط بتوافر الأمن الاقتصادي والاستقرار السياسي، فالمستثمر ينجذب إلى البيئة الآمنة التي تحفظ وجوده وتؤمن أمواله وتيسر أعماله من دون قيود.
المصالحة الوطنية أساس التعافي
التعافي الاقتصادي في سوريا مشروط بتحقيق الاستقرار السياسي والأمني، تقول الوزيرة السابقة “لمياء عاصي”، وتضيف في منشور لها بالفيسبوك، أنه لا يمكن لذلك أن يتحقق من دون مصالحة وطنية كبرى تنهي التوترات الطائفية وتضع البلاد على سكة العدالة الانتقالية.
وتقترح “عاصي” مساراً تشريعياً من ثلاث خطوات: «قانون يجرم المتورطين في أعمال العنف ويمنعهم من أي دور سياسي مستقبلاً، وآخر يبرئ كل من لم يثبت تورطه في جرائم الحرب بعد عام 2011، إضافة إلى قانون ضد الطائفية يجرم خطاب وأفعال الكراهية تجاه جميع مكونات الشعب السوري».
وترى الخبيرة الاقتصادية أن هذه “المصالحة الوطنية الكبرى” على حد تعبيرها، يجب أن تتم تحت مظلة ميثاق وطني يستفتى عليه الشعب، مع تفويض لرئيس الجمهورية لإصدار التشريعات الضامنة، وتضيف: «إذا لم تنته هذه المحنة الوطنية، وإذا لم ننجح في العيش تحت دستور متوازن يضمن العدالة للجميع، فستبقى سوريا عالقة في دوامة العنف والدم، وربما تصل إلى طلب الحماية الدولية أو خطر التقسيم».
إذاً، رفع العقوبات قد لا يكون كافياً لوحده لجذب الاستثمارات الخارجية، فهناك أولويات مهمة مثل خلق بيئة شاملة ومستقرة تطمئن المستثمر وتحفز رأس المال، وبحسب خبراء فإن ضمان الأمن الشرط المسبق لأي نشاط اقتصادي منتج، إلى جانب ذلك، لا بد من ضبط سعر الصرف واستقراره، وسن قانون استثمار عصري وشفاف يتماشى مع متطلبات السوق العالمية، ويكفل حماية المستثمر المحلي والأجنبي، كما أن تطوير البنية التحتية القانونية والمؤسساتية، ومكافحة الفساد، وتوفير قضاء مستقل، جميعها خطوات لا غنى عنها لتحقيق بيئة اقتصادية قابلة للنمو، لا مجرد التعافي.