فيروس الأعراف القاتلة – ماريا قبارة
يقول عالِم الأحياء جون روستان: “أن تقتل إنساناً فأنت قاتلٌ. أن تقتل الآلاف من الناس فأنت فاتحٌ. أن تقتل الجميع فأنت الله”.
سناك سوري – ماريا قبارة
يقول عالِم الأحياء جون روستان: “أن تقتل إنساناً فأنت قاتلٌ. أن تقتل الآلاف من الناس فأنت فاتحٌ. أن تقتل الجميع فأنت الله”.
تضعنا هذه الجملة الرهيبة أمام اشتراك القاتل والفاتح والله في فعل القتل، فالقبول بأنّ الله ينهي حياة الإنسان بيدِ من يشاء ومتى يشاء ينمّ عن سوء فهمٍ مقصود لتدبير الله في خلقه للإنسان، فقد ساهمت حرفية النصوص الدينية لاستغلال الإنسان للإنسان مستسلماً إليها، ومحققاً عِبرها مصالح شخصية، معتبراً نفسه المُكلف المباشر من الله بتطهير البشرية أو بإنهاء حياة الآخرين بالاشتراك مع الله.
إنّ من تمسّك بالنصوص الدينية بداعي الدفاع عنها في سبيل إظهار الحق، قد فهمها بحسب أهوائه وبحسب مستواه الفكري بعيداً عن إطارها الثقافي والاجتماعي التي وُلدت فيه، تلقّفها متغطرساً ومُنصّباً نفسه قاضياً مُصنّفاً الناس بين الكافر والمؤمن، مُتجرّأً بها على قتل الإنسان؛ الذي هو صورة الله، متناسياً أنّه ككلّ الناس خاضع للضعف البشري، مهيناً بفعلته الذات الإلهية.
اقرأ أيضاً: “زواج الحيار”.. عُرفٌ عشائري دمر حياة آلاف النساء وانتهك حقوقهن
وبالعودة إلى الأطر التاريخية لأيّ نصّ كتابيّ يدعو للقتل نجده يعود لصراع قائم بين قبائل متناحرة بداعي السيطرة. وبالتالي، ندرك أنّ الإنسان، في ذلك الوقت، لم يكن يتفاعل مع كلمة الله بنُضجٍ كامل. ونرى في تلك النصوص حروباً تُعيد سبب انتصارها أو هزيمتها إلى الله باعتباره قاضي الثواب والعقاب.
فإن ثبُت أنَّ أساليب الله كأساليب الإنسان، فهذا يعني أنّنا لسنا بحاجة إليه لتخطي ذواتنا وفهم ما لا يمكن إدراكه!
أمّا الله في النصوص الدينية، هو من يدعو إلى المحبة والسلام، فكيف يمكنه أن يدعو للقتل؟ إنّه يدعو للحق والحرية. خلق الإنسان، ذكراً وأنثى، متساوين في الفضيلة والكرامة، لا باستعلاء أو تفضيل الواحد على الآخر.
لكنّ الإنسان، طالما استخدم النصوص الدينية في مجتمعاتنا الشرقية لتبرير العنف والقتل والحروب، من مآرب سياسية وعشائرية وعائلية ولتعزيز المجتمعات الذكورية…الخ. فاستخدام النصوص الدينية في التحكّم بالمجتمع أعطته قوة فائقة باعتبارها تستمدّ شرعتها من الله نفسه، دون السماح لأي نقاش أو جدال حولها. فأخطر الحروب لليوم طابعها الاقتتال الديني. وأكثر الجرائم العائلية والقبلية تعود إلى عادات وأعراف خارجة عن سلطة القانون. فعلى سبيل المثال لا الحصر: تعنيف المرأة أو حتى قتلها بفرحٍ، بحجة تطهير شرف العائلة !. فمجتمعاتنا الدينية الشرقية رسّخت الاعتقاد بأنّ النساء من ممتلكات الرجل أو للأقارب الذكور. وباسم هذا العُرف القبيح جرائم سنوية تحت شعار “غسل العار” تذهب ضحيتها الكثير من النساء بأعمار مختلفة في مجتمع عربي محكوم بتلك الأعراف والعادات الدينية وليس لقوانين مدنية تحفظ حياة وكرامة الإنسان.
لا يقتصر العنف والقتل فقط على مجتمعاتنا العربية، بل نجده في كلّ البلاد والثقافات، لكن مع فارق أساسي هو أنّ القوانين الصارمة هي التي تحكم البلاد المتقدمة التي تضمن حماية مواطنيها، وتطبق أحكاماً قاسية لكلّ من يحاول الاعتداء فيها على الآخر، جسدياً كان أو لفظياً، ودون تبرير أي جريمةٍ تحت أي مسمىً كان. فاللامنطق والمبالغة والتطرف وغيرها من الآفات هي أعراض قاتلة تصيب المجتمع في مقتل من جراء المبالغة في تأويلات النصوص الدينية وممارسة طقوسها بشكل يتعارض بشكل مباشر مع العقل والمنطق ومع مضمون الدين وكيانه.
اقرأ أيضاً: “باب زحل” في دمشق واحد من 7 كواكب في العاصمة السورية