الرئيسيةشباب ومجتمع

عندما فُقد البصل من الأسواق في تسعينيات القرن الماضي

لما فُقد البصل والبقدونس والنعنع من الأسواق في تسعينيات القرن الماضي؟

عندما كنت صغيراً في تسعينيات القرن الماضي كان البصل والبقدونس والنعناع إلخ مفقودَين من كل دكاكين حيِّنا تقريباً بما فيها تلك المتخصصة ببيع الخضروات.

سناك سوري – بلال سليطين

وذلك ليس لأنها مواد مفقودة من الأسواق بل لأنه لا يوجد منزل في الحي إلا وكان يزرع هذه المواد على شرفة منزله في المدينة. وفي قطعة الأرض الصغيرة التي يمتلكها بالريف.

حتى أنه في حيّنا الذي يقع وسط المدينة كانت كل المسطحات الترابية الموجودة بجوار الأبنية مزروعة بالخضروات والحشائش المنزلية.

أما في الريف القريب والبعيد فقد كانت كل الحقول الصغيرة حول المنازل تزرع بالخضروات. والتي يتم سقايتها من مياه الغسيل أو الماء المستهلك، أو من مجمعات مائية بسيطة تملؤها الأمطار الطبيعية.

هذه الزراعات المنزلية كانت تكفي حاجة السكان وتزيد عنهم في كثير من الأحيان. ويتم منح الفائض لمن ليس لديه مساحة بسيطة ليزرع لها هذه الخضروات.موقع سناك سوري.


وفي الحقيقة لم تكن هذه الزراعات المنزلية مُتعِبَة ولا تحتاج لكثير من الجهد. فقد أعاد جارنا حسان تدوير “صحن الدش” وزرع فيه البصل على سطح المنزل. وبجانبه كان هناك “11 فلينة” ملأها بالتراب وزرع فيها البقدونس والنعناع.

تدريجياً بدأت هذه العادات تتراجع، وقد يكون تراجعها مفهوماً في المدينة ولو كان غير مبرر. لكن تراجعها في الريف غير مفهوم وغير مبرر فالزراعات المنزلية أساسية لسكان الريف.

اقرأ أيضاً: من جامعة دمشق .. طلال أبو غزالة يدعو الشباب للتوجه إلى الزراعة

فقد تحولت هذه المواد إلى أدوات رئيسية للبيع في مختلف الأرياف. أذكر رجلاً اسمه “أبو باسل” من قرية سورية وهو يتحدث لشاب بالقرية أنه من العار أن يشتري بقدونس من الدكان وأمام منزله قطعة أرض صغيرة غير مزروعة.

إن هذا التحول لم يكن ليأتي من فراغ، فبالتأكيد هناك أسباب لتراجع الزراعات الضخمة، مثل قلة إنتاجياتها وصعوبة توفير المياه. لكنه لا يبرر أن تتحول قرية ريفية من مكان يزرع فيه كل شبر أرض إلى مكان يزرع فيه 20% من مساحة أراضيه التي كانت قابلة للزراعة في التسعينيات.موقع سناك سوري.

لكن لا يمكن تبرير الامتناع عن زراعة بعض الخضراوات أمام المنزل والتي كانت وسيلة للتسلية ربما لدى البعض. لكنها اليوم احتياج رئيسي لكل أسرة سورية. ويمكن لكل من لديه قطعة أرض صغيرة حول منزله أن يؤمّن منها بعض خضراواته الرئيسية دون الحاجة لتسوقها.

هذا الواقع الذي نعيشه اليوم من فقدان البصل، وإن قال البعض أن أزمة البصل ليست محلية فقط، لكنه ناتج عن تغيرات مجتمعية سلبية. فهذا البلد تاريخياً يتفاخر بأنه مكتفي زراعياً وقد أتى الاكتفاء من توجه حكومي واضح آنذاك لحل أزمة الحصار. فلماذا لا يكون هذا الخيار اليوم على طاولة؟ الجواب لأن بنية التفكير والعادات الاجتماعية والثقافة تغيرت.

اقرأ أيضاً: مسؤول تركي: لولا السوريون لكان هناك عجز خطير في الزراعة

أنماط السلوك الاقتصادي والزراعي والاجتماعي في سوريا تغيرت. وهي لم تتغير بإرادة الناس بل ربما كثيرين لم يشعروا بها إلا وأنها تغيرت من حولهم.

ربما ظن البعض في مواقع صناعة القرار خلال العقد الأول من القرن الحالي أن هذا التغير هو تطور. لذلك شجعوه بشكل أو بآخر دون أن يراعوا خطورته والحاجة للتعامل معه في وقته.

نحن في دول لا تتغير فيها سلوكيات المجتمع بإرادته وإنما يُجبر على تغييرها. فمثلاً عندما تتحول العادة إلى عيب يخجل البعض من ممارستها. فيتوقف أبو ممدوح وأم نعمان وحسان وغيرهم عن زراعة هذه الخضراوات على شرفاتهم وأسطحة منازلهم. لأن الأمر أصبح عيباً ؟ لماذا أصبح عيباً؟ لأن ديناميكية المجتمع تغيرت. والنظرة للزراعة المنزلية وللعمل وأنماطه تغيرت، وكذلك آليات التعامل مع الموارد المتاحة تغيرت.

ومن وجهة نظر أخرى إن الكآبة أو الحالة النفسية السلبية أحد الأسباب التي أدت لتغيير هذه السلوكيات. فالإحباط العام يؤدي إلى الامتناع عن القيام بسلوكيات كثيرة بعضها مفيد للناس.(مالي نفس اشتغل شي).

وهي أيضاً قضية أخرى تحتاج تفكيراً عميقاً. لماذا يفتقد الناس الحماس لاستثمار مالديهم من موارد بمحيطهم. لماذا يتحول البصل في آخر 20 عام من مادة متوفرة في معظم المنازل إلى مادة تجارة في الدكاكين ثم مفقودة من الأسواق؟.

وكل هذا بالنهاية يحتاج مؤسسات تتعامل معه، وخطط لمواجهته أياً كان المسؤول عنه. فلا يمكن ترك الأمور من هذا النوع للزمن أيضاً من أجل حلها. فالدول المتقدمة تدرس حتى أنماط السلوك المجتمعية وتبحث عن أسبابها ونتائجها للعمل على تغييرها إيجابياً. بما يحقق عملية التنمية والفعالية الاقتصادية والمجتمعية بعيداً عن أهداف “الأدلجة السياسية” التي أثبت معظمها عدم جدواه.

اقرأ أيضاً: خططت ونفذت.. عائلة أبو حسون تجني ثمار مشروع الزراعة المائية

زر الذهاب إلى الأعلى