الرئيسيةتقارير

اللاذقية: أطفال تعرضوا للضرب في قسم الشرطة.. الأحداث ظلم في المجتمع والعقاب

أحداث يروون لـ سناك سوري كيفية التحقيق معهم وتوجيه اتهامات لهم.. “فيتالي”: العنف يزيد جنوح الحدث.. “سلمان” القانون غير مطبق

سناك سوري – سها كامل

كان عمره 12 عام، حين أودت المعارك بمنزله في “حلب” وألقت به مع زوجة أب في قرية “أم الطيور” بريف اللاذقية في العام 2014، ليجد الطفل “ع.ق” نفسه في الشارع، بلا مأوى، و تحوّل إلى جانح، ينام في عبّارات سوق التجار باللاذقية أو في كرتونة صغيرة ترد عنه برد الشتاء، يرى فيها أفضل من زوجة أب قاسية الطباع، كما وصفها خلال حديثه لموقع “سناك سوري”.

“ع.ق” الذي فضلّنا عدم ذكر اسمه الكامل حفاظاً على خصوصيته وحقوقه كطفل، يقول: «علّمني الشارع “السرقة”، بدأت بسرقة المحال التجارية، كنت أغنم أحياناً ببعض المال، كانت النقود أعظم ما سرقت، لحقتني الشرطة و أوُقفت في مخفر الصليبة 4 مرات، و في مخفر الشيخضاهر 3 مرات، وأيضاً في مخفر الرمل الشمالي 3 مرات، و في الجنائية مرتين و القسم الشرقي مرة واحدة، تعرضت خلالها لمختلف أنواع العنف والضرب والإساءة و إجباري على الاعتراف بسرقات لم أرتكبها».

يتحدث “ع .ق” الذي أصبح عمره الآن 15 عام، عن آخر حادثة توقيف تعرّض لها، في شهر تشرين الأول الماضي قائلاً: «رغم أنني ابتعدت عن السرقة من العام 2016، إلا أن مخافر اللاذقية مازالت تلاحقني وتتهمني بسرقات لم أرتكبها، آخرها اتهامي بسرقة “لابتوب”، دون أي أدلة أو شهود، فقط لأن العناصر في مخفر شاهدوا مقطع “فيديو” لطفل يسرق “لابتوب” من سوق التجار باللاذقية، ظنوا أنه أنا، فأوقفوني، ووضعوني على “البساط” و انهال ثلاثة عناصر من الشرطة علي جسدي، لاعترف أنني سرقت اللابتوب»

يصف “ع.ق” “البساط”: «عبارة عن خشبتين متصالبتين يربطون الطفل عليها بحبال، بعد رفع قدميه إلى الأعلى، ثم يبدأون بضربه بواسطة “سلكونة”، إلى أن فقدت الوعي، فقام أحد العناصر بفك وثاقي و رماني بمياه باردة، ثم طلب أن أقفز في بقعة ماء، لكي لا تظهر آثار الضرب، بعدها سُجنت في “المنفردة” لمدة يومين دون طعام، إلى أن اكتشفوا أنني لست السارق فأطلقوا سراحي». “فائدة البساط أنه يسبب ألم للموقوف دون أن يترك آثار ظاهرة لاستخدام العنف”.

ابن الـ14 عاماً، بات خبيراً جداً بطريقة التوقيف، يقول: «عندما تصل إخبارية إلى أي مخفر، يجمعون الأطفال، يبدأون بضربهم إما بواسطة “البساط” أو بتوجيه اللكمات القوية على أجسادهم، خاصة في مخفري “الصليبة” و “الشيخضاهر” باللاذقية، دون أن يحققوا في السرقة، حتى دون وجود أدلة، همّهم الوحيد أن يعترف الطفل أنه الفاعل، تحت الضرب والتعذيب، في إحدى المرات تم تحويلي إلى قاضي الأحداث، الذي حولني بدوره إلى الإصلاحية، في منطقة “الشير” بريف اللاذقية».

ضحكة قصيرة يطلقها الطفل الذي عادت ملامح البراءة ترتسم على وجهه بعيداً عن الشارع والظلم الذي لحق به، يقول: «المعلمات في الاصلاحية طيبات رائعات، درسنا معهن القراءة والرياضيات، وحصلنا على الهدايا، إلا أن بعض عناصر “شرطة الإصلاحية” كانوا يستولون على هدايانا، بعدها تعرّفت على الأستاذ “رامي فيتالي” و كان من أكثر الناس الذين علموني الصواب ومدوني بالحنان، ثم حولوني إلى “قرى الأطفال” “SOS” في طرطوس، كانت بداية الطريق السليم، بقيت نحو شهرين تعلّمت فيها الكثير، تحدثوا معنا عن مشاكلنا، علموننا ماذا يجب أن نفعل سألوا عن وضعنا العائلي، و قالوا لنا: كلنا نُخطيء لكن لا يجوز أن نستمر في الخطأ».

“ع.ق” بعد أن ترك الشارع، ترك معه كل “الولدنات” كما يصفها، بدأ العمل في العام 2016، في محل بلاستيك، ثم في صالة “بلياردو”، ثم في مخبز، كان يبيع الخبز، يكسب مصروفه اليومي، الآن يعمل في محل ألبسة بسوق التجار، يقول إنه «سعيد جداً لأن أهالي الحارة يحبونني، وتغيّرت نظرتهم تجاهي، يشترون لي الملابس أحياناً، و يبتسمون في وجهي، كنت صغيراً بعمر 9 سنوات، لكنني تعلمت الكثير، أهم ما تعلمته أن الإنسان يستطيع أن يكسب رزقه بنفسه، و الحمدالله “مسبّة” ما بتطلع من تمي».

اقرأ أيضاً: نائب لوزير الداخلية: متى ستتوقفون عن الضرب في السجون

قصة “ع.ق” ليست بعيدة كثيراً عن قصة “م. ق” طفل بعمر الـ 15 عام، نزح مع عائلته، من “خان العسل” جنوب غرب حلب، في العام 2014 بعد أن أودت الحرب بوالده، ليجد نفسه مع أمه وثلاثة أخوة و أخت واحدة، مشردين ينامون على كرتونة على شاطئ اللاذقية.

يقول ابن الـ15 عاماً لـ”سناك سوري”: «آخر مرة تم ايقافي دون أي سبب، كنت أسير في الشارع، ليأتي عناصر الشرطة ويأخذونني بعد اتهامي بسرقة “موبايل” من سيارة مُركونة، ضربوني دون حتى سؤالي أو التحقيق معي، مباشرة وضعوني على البساط و انهالوا بالضرب على قدميّ مطالبين بالاعتراف، إلى أن اعترفت بسرقة لم ارتكبها، لأنني ابتعدت منذ أكثر من عامين عن السرقة، واعمل الآن في جمع العبوات البلاستيكية من القمامة نسميها “القراضة”».

تبيّن فيما بعد أن صاحب السيارة قال لطفل يبيع “جوز الهند”: «إذا أخبرتني من سرق الموبايل، سأعطيك 25 ألف»، يقول “م.ق” ويضيف: «فأشار الطفل إليّ، كنت أسير في الشارع مُصادفة، ليس لي أي علاقة بالسرقة».

الناشط رامي فيتالي

الحل.. شرطة مؤهلة للتعامل مع الأحداث

يقول “رامي فيتالي” ناشط اجتماعي و مُهتم بقضايا الأحداث لموقع “سناك سوري” إن «الحل وجود شرطة خاصة بالأحداث تكون مؤهلة تأهيلاً خاصاً للتعامل معهم، سواء كانوا مشتبهاً بهم أو مجنياً عليهم أو بحاجة للحماية، و أن ترى هذه الشرطة الأطفال بعين الضحية، لأن معظمهم ضحايا الإهمال والظروف العائلية والاجتماعية، و أن يُحاسب كل من ينتهك حقوق الأطفال و يعنفهم سواء كان ذا صفة أمنية أم لا».

العنف ضد الطفل أثناء التوقيف يزيد من جنوحه

يقول “فيتالي” إن «التحقيق مع الطفل لا يجوز أن يشمل العنف، و لا بأي شكل، لأن ضرب الطفل أو تعذيبه سيعيده للشارع و للسرقة، وضع طفل بعمر 9 سنوات على البساط، هل هذا أسلوب تحقيق؟  يجب فرض قوانين محاسبة صارمة على أي شرطي يمارس عنفاً على طفل، بالإضافة لكون ذلك انتهاك صارخ لحقوقه، و يؤثر على نفسيته، و احترامه للقانون و مفاهيم الحق والعدل في وجدانه، ما يحوّله إلى عامل خطر على أمن المجتمع مستقبلاً».

التحقيق مع الأطفال يختلف عن الكبار

يشرح “فيتالي” فكرة مفادها أنه من الممكن أن يعترف الطفل بفعلته دون اللجوء إلى العنف، باتباع مساءلة لفظية ذكية بطريقة ودودة تجعل الطفل يعترف من تلقاء نفسه بكل ما ارتكب، أو الإيقاع به بالكلام إذا اضطر الأمر، هذا سهل على أي محقق مؤهل، و في الوقت ذاته، الضرب يجعل الطفل يعترف بأمور لم يرتكبها أو يوقع أصدقاء له بريئين، هذا يضلل العدالة و يصعّب عملية متابعة التحقيق الجنائي، و يعطي فرصة أكبر للجاني الحقيقي في التملص من العدالة.

المحامي كمال سلمان

رأي قانوني

تنص المادة 57 من “قانون الأحداث” في الجمهورية العربية السورية بأنه “تُخصص شرطة للأحداث في كل محافظة، تتولى النظر في كل من شأنه حماية “الأحداث”، وأيضا تحدد المادة ذاتها “مهام شرطة الأحداث و شروط العاملين فيها والقواعد التي يعملون بموجبها، بقرار من وزير الداخلية، بعد أخذ رأي كل من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة العدل”

عن تطبيق هذه المادة القانونية يقول المحامي كمال سلمان لموقع “سناك سوري” إنه «للأسف لم تطبق هذه المادة في سوريا، كما ليس هنالك من شرطة مختصة بالأحداث، رغم المطالبات المتكررة من قبل جمعيات المجتمع المدني».

اقرأ أيضاً: سوريا: مشردون ومراهقون يملؤون شوارع حلب صخباً بدون موسيقا

عقوبة الشرطي

رداً على سؤال، “هل تتم معاقبة أي شرطي يقوم بضرب حدث أو تعنيفه أثناء التوقيف”، أجاب “سلمان”: «في حال بلغ التعنيف درجة الأذية الجسدية أو التسبب بعاهة مستدامة للطفل، إن قانون العقوبات لا يفرّق بين المعتديين، سواء كان شرطي أم موظف أو الوالدين، حسب المواد 540 و 541 و 542  من قانون العقوبات».

تطبيق سيء للقانون 

يقول المحامي إنه «لعل المشكلة الأكبر تكمن في التطبيق السيء لنصوص القانون، إضافة إلى ضعف الرقابة القضائية على عمل المشرفين على الأحداث من “مشرفين في المراكز و أقسام الشرطة”، أيضاً غياب الحماية القانونية للأحداث في مراحل الاستجواب و التحقيق و التوقيف والمحاكمة و حتى دور التوقيف».

يضيف: «نصت المادة 9 من قانون “الأحداث” أنه يعاقب بغرامة من مئة إلى خمسمائة ليرة سورية وليّ الحدث، إذا أهمل واجباته القانونية. إلا أن هذه عقوبة لن توقف جنوح الطفل، و الغرامة زهيدة جداً، يجب تعديلها، و البحث عن بدائل ناجحة، كالحوار مع الطفل ورعايته ومراقبة تربيته في المنزل».

القانون يُجيز ضرب الأستاذ والأب لطفله!

يختم المحامي “كمال سلمان” حديثه لموقع “سناك سوري” بالقول: «رغم أن القانون جرّم فعل الضرب، إلا أنه منح الوالدين سلطة في تأديب أولادهم ، كذلك للمدرسة، المادة ١٨من قانون العقوبات السوري، أجازت ضروب التأديب التي ينزلها الأساتذة والآباء بالأولاد على نحو ما يبيحه العرف، و اشترط القانون أن لا يترك الضرب أي أثر ، و إلا عوقب مرتكب الايذاء»، مضيفاً: «نحن بحاجة لتشريعات تعزز مضمون حماية الأطفال، بما ينسجم مع المعايير الدولية التي وقّعت سوريا عليها».

تُظهر حالات الأطفال السابقة، كم أن المشكلة عميقة، و الخلل واضح في طريقة توقيف الأحداث العشوائية دون أدلة، و أسلوب التحقيق معهم الذي يعتمد على العنف والضرب والإهانة بشكل أساسي، ما يعرضهم لانتهاكات في حقوقهم الأساسية، بدلاً من أن يتم إصلاحهم والتعويض عما فقدوه من الرعاية، التي غالباً ما تكون السبب الجوهري وراء جنوحهم.

اقرأ أيضاً: سوريا: محاولة لاحتواء المدمنين من نزلاء سجن الأحداث

* يتبع.. سلسلة مواد عن الأحداث في سوريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى