الرئيسيةيوميات مواطن

الكفاح المسلح كما يعرفه المنسيون في “اللاذقية” – رحاب تامر

ربما أنا أيضاً مهزومة مثله، ومثله أيضاً أنا بائعة، هو يبيع الخردة وأنا أبيع الكلمات

سناك سوري-رحاب تامر

“دخان بلدي”، “بصل بلدي”، “صرامي مستعمل”، “تياب ولادي”، كانت أصوات الباعة تملأ المكان على طول الرصيف المؤدي من مديرية الزراعة وحتى مديرية المالية في شارع المغرب العربي بمدينة “اللاذقية”، لا تستغرب صديقي القارئ فقضية الكفاح العروبي المشترك تفرض على مدينتك تواجد أسماء بلدان الأشقاء وربما الأصدقاء لاحقاً.

من بين البسطات التي تحوي كل ما يحتاجه المنزل وحتى أنت، تطالعك بسطة غريبة من نوعها، تحوي الكثير من الخردة والكثير من الكتب المستعملة، أو كتب بالة إن جاز التعبير، في الحقيقة قد لا يجوز أبداً، حيث أن الأفكار المستعملة لا تبلى مثل الملابس، على العكس تماماً هي تشتد متانة بالاستعمال المتكرر!.

بسطة الخردة والكتب اليسارية والثقافية!

اقتربت منه، كان رجلاً ربما قد تجاوز السبعين من العمر، لم أسئله عن عمره كان واضحاً أن السنوات لم تترك أثراً طيباً في ذاكرته، كذلك لم أسئله عن اسمه، ما قيمة الاسم لسبعيني يفترش الرصيف بالكثير من الخردة علّه يؤمن في المساء بعض القليل مِمَن يشبهونه في بؤسه، وربما يشبهون خرداواته.

-كيفك يا عم، قلتها له بينما كان مديراً ظهره يرتب خرداواته بطريقة متقنة.

-شوفي شو بدك لقلك شو سعرو بدون مفاصلة، قالها بينما كان مستمراً بإدارة ظهره.

لم تزعجني نبرته الغاضبة، لا شأن لي بها، هي نبرة فاقد الثقة بالحياة المتمسك بالغضب غير القادر على التنفيس عنه، أنا هنا لست ضحية مفترضة لمزاجية بائع أرستقراطي، بل مجرد عابر في طريق مبتلي بالحياة نفسها.

العم الذي لا أعرف اسمه

-حابة صبح عليك بس

يستدير بوجهه نحوي، بينما يتابع ترتيب الخردة بعد أن أنهى ترتيب الكتب على الرصيف، وتعليق الملابس على الجدار خلفه.

-صباح الخير يا بنتي، قالها بعد نظرة شرود طويلة لم أفهم سببها أبداً، ربما سافرت في لحظة شروده تلك، بحثاً عن إجابة كنت بحاجتها، فقد كنت أشد ارتباكاً منه وأنا المثقلة بتفاصيل لا تقل ضراوة عن تلك التي يحملها في داخله، بفارق المقدرة على التأقلم معها، ربما أنا أيضاً مهزومة مثله، ومثله أيضاً أنا بائعة، هو يبيع الخردة وأنا أبيع الكلمات.

اقرأ أيضاً: أفكار ممنوعة – رحاب تامر

استأذنته في التقاط بعض الصور، وافق شرط ألا يكون بطلها، ومثل “دونكيشوت” تابع معركته مع وحوش الرصيف وأباطرة الكلمات في الكتب أمامه.

بعض كتب الطبخ، والفلسفة، والتاريخ، كانت حصيلة المكتبة التي يمتلكها والتي تتشارك مع الخردة رصيفاً واحداً، وكتاب آخر لفتني “الكفاح المسلح في وجه التحدي الصهيوني” لوزير الدفاع الأسبق “مصطفى طلاس”، مع انحناءة جانبية تقول لك، إن أصحابي لم يحافظوا عليّ كثيراً، ولم أودع في مكتباتهم بعناية العاشق للكتب.

أبحرت عميقاً في تفاصيل الكتاب، لمن هو؟، كيف وصل إلى هنا؟، هل كان ملكاً ليساري ما استفاق مؤخراً على كذبة مبادئه، فقرر التخلي عنها لصالح رجل أجهده الفقر وهو يبحث عن قوت يومه بكل المستحيل المتاح أمامه؟!.

توقفت عن الأسئلة، حين أدركت أن الوقت قد تأخر كثيراً على العمل، مضيت في طريقي نحو دوامي، وأنا أستحضر عبارة كنت قد قرأتها مؤخراً للكاتب “حنا مينه” يقول فيها: «الكفاح له فرحة عندما تعرف أنك تمنح حياتك فداء لحيوات الاخرين، وأنت المؤمن بأن إنقاذهم من براثن الخوف والمرض والجوع والذل جدير بأن يضحى في سبيله».

اقرأ أيضاً: هذا الشتاء قاسٍ جداً جداً – شاهر جوهر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى