الرئيسيةرأي وتحليلسناك ساخن

الحرية للدراما والقيود للصحافة…قواعد سوريا المزاجية؟!

في اليوم العالمي لحرية الصحافة... الحرية والقيد قرار

حرية الصحافة والدراما في سوريا… في عام 2020 تم توقيف صحفي سوري (يُفَضل عدم ذكر اسمه) لأنه كتب تقريراً تناول فيه قضية سابقة حول أعضاء في مجلس الشعب، واعتمد في تقريره على معلومات صحيحة 200% ومنشورة في وسائل إعلام رسمية وأخرى صادرة من دمشق بين عامي 2000 و2010، إلا أن أحد المذكورين في التقرير والذي مازال ذو نفوذ إلى الآن امتعض من طرح الموضوع مرة أخرى وعلى إثر ذلك أخطر جهات أمنية تولت استدعاء الصحفي وأجبرته على حذف التقرير مقابل إخلاء سبيله وهذا ماحدث فعلاً (السلامة أهم).

سناك سوري – بلال سليطين

أستذكر هذه الحادثة التي شهدتها وأنا أتابع نهاية الأعمال الدرامية في شهر رمضان 2022 والتي سجلت هامشاً عالياً من الحرية وعرض فيها قضايا وملفات لم تتجرأ الصحافة على تناولها بهذا الشكل أو هذا السقف منذ سنوات بعيدة وربما لم تتجرأ أن تفعلها يوماً فمنذ أن وعيت على المهنة لم أر تقريراً يتناول فساد رفيق بعثي وانتهازيته ولصوصيته كما فعل مسلسل مع وقف التنفيذ مع “فوزان” الذي جسد شخصيته “عباس النوري”، وهي شخصية تعبر عن آلاف المشابهين بالواقع ممن أسسوا صفحات (وطنية) تاجروا فيها على أكتاف الآخرين.

اقرأ أيضاً: عبد النور لايعرف سبب مداهمة منزل كنان وقاف ويتحدث عن حرية الصحافة

ليست دراما هذا العام حالة شاذة بالمناسبة أو صدفة عابرة، على العكس تماماً فهذا واقع الدراما منذ سنين طويلة، من مرايا، إلى بقعة ضوء كنموذجين للسخرية، إلى “غزلان في غابة الذئاب” كنموذج واضح وصريح عن حجم الفساد لدى بعض المسؤولين في السلطة، وصولاً إلى الولادة من الخاصرة بأجزائه المختلفة والذي تناول الأزمة الراهنة بوضوح عند اندلاعها بطريقة لم يكن بإمكان أي صحفي يعمل في دمشق ويعيش فيها مثلاً تناول هذا الموضوع، وامتداداً إلى دقيقة صمت وماقدمه من فساد في أجهزة الأمن والشرطة والقيادة، وليس انتهاءً بمسلسلي كسر عضم ومع وقف التنفيذ اللذان قدما صورة حقيقية ناصعة وواضحة عن واقع موجود ربما ليس وجوده بهذه الدقة والحرفية والتفصيل تماماً فليست مسؤولية الدراما تقديم “فيلم وثائقي” ولكن بالتأكيد هو موجود بأشكال مشابهة وصور أخرى قد تكون أحياناً أفظع مما تقدم الدراما وأحياناً أخرى أقل فظاعة.

اقرأ أيضاً: برلمانية: قانون الجرائم المعلوماتية لا يهدد حرية الصحافة

بين حرية الصحافة وحرية الدراما في سوريا

بالمقارنة بين الصحافة والدراما سنتناول فقط بعض الأمثلة التي تم طرحها في مسلسلات هذا العام وماهي التهم التي كان من الممكن للصحفي أن يحاكم بموجبها عبر قانون الجريمة المعلوماتية في حال نشر مقاله على موقعه الإلكتروني المستقل أو على منصته الصحفية الخاصة:

إن تناول شخصية “فوزان” من خلال تقرير صحفي حتى دون تسمية أي شخص بعينه بالاسم فإن الصحفي يخاف أن يخضع لتهمتين الأولى صالحة لكل زمان ومكان “النيل من هيبة الدولة” والثانية صالحة لكل زمان “المادة 24 فقرة “ب” الذم غير العلني وكلاهما يعاقب عليهما بالحبس والغرامة، أي أن أي رفيق بعثي أو حتى قيادة الحزب يمكنها الادعاء عليك بتهمة الذم غير العلني.

كذلك فإن تناول قصة شخصية “حليم” التي يؤديها الفنان “غسان مسعود” قد يودي بالصحفي إلى السجن، خصوصاً لناحية ذكر أنه اعتقل بسبب توقيعه على بيان سياسي، فتناول قضية من هذا النوع والذي لم نجده في أي من الصحف الحكومية او الخاصة التي تعمل ومرخصة لدى الحكومة السورية منذ عام 2011 إلى اليوم، إن تناوله قد يوقع الصحفي تحت طائلة تهمة النيل من هيبة الدولة أيضاً.

اقرأ أيضاً: عيد الصحافة السورية… ممنوعة من الموت والحياة- بلال سليطين

أما في مسلسل كسر عظم فإن تناول ملف التعذيب في السجون الذي ظهر واضحاً في المسلسل كما حدث عدة مرات في العمل قد يكون أبرزها مافعله خالد القيش مع يزن السيد، فإن هذا التناول بالصحافة يندرج ضمن بند الإساءة للموظف العام الذي جاء في قانون الجريمة المعلوماتية في المادتين 24 و 25 ضمن فقرة الذم والقدح الإلكتروني.

وأخيراً مع شخصية “الحكم” التي يؤديها فايز قزق والتي بالمناسبة يوجد كثيرون مثلها في البلد وليست قادمة من الفضاء، ولم نسمع يوماً عن محاكمة أحد من هذه الشخصيات أو معاقبته أو مساءلته …إلخ، وكذلك لم نر أو نقرأ أو نستمع لتحقيق استقصائي واحد يتناول فساد شخصية مشابهة، فإن تصوير فساده من قبل أحد الصحفيين الاستقصائيين المستقلين يعني محاكمته ضمن قانون الجريمة المعلوماتية وبالتالي قد يخضع لتهمة انتهاك الخصوصية المنصوص عليها في قانون الجريمة المعلوماتية وينتهي به الأمر في السجن مثلاً.

هذا هو واقع الصحافة مقارنة بالدراما شئنا أم أبينا والواقعين خاضعين لقرار بالمناسبة فهناك قرار يمنح الدراما هذه الحرية وقرار يضع الصحافة بهذه القيود، وهذه ليست نظرة سوداوية فمراجعة كل الصحف والتلفزيونات والراديوهات الخاصة والعامة العاملة داخل سوريا وتحت إشراف الحكومة سيبين بوضوح أن المحتوى بمعظمه عصافير تزقزق وسماء صافية وفساد في بلدية وسوء في حفرة ونقص في رز وسكر وغيرها من صغائر القضايا التي تخفي خلفها كبار المشكلات، بل هي نظرة حالمة لتغيير هذا الواقع في اليوم العالمي لحرية الصحافة التي تحتاجها سوريا كثيراً وكثيراً وكثيراً…. لا نريد أن نكون دراما بل نريد أن نكون صحافة لديها هامش حرية الدراما وأكثر.

اقرأ أيضاً: حيط الصحافة في سوريا واطي إلى مستوى “يلعن أبوكي”

زر الذهاب إلى الأعلى