الرئيسيةرأي وتحليل

البيجاما .. أروع اختراع بشري تأثيراً في النفس _ شاهر جوهر

مدرّس الفتوّة طالب تلاميذه بالبيجاما فواجه حركة تمرّد

الفقد يحدد القيمة، وهذا هو معيار العلاقة بين المرء وما يحيطه من أشياء. وبالنسبة للأشياء، فهناك أشياء كثيرة ذات قيمة من حولنا قد نكتشفها بشكل متأخر.

سناك سوري _ شاهر جوهر

واليوم على وجه التحديد تبين لي أن البيجامة هي أروع اختراع بشري على مستوى التأثير النفسي. ومنه إلى مؤشرات السعادة العالمية. إذ أنها ترمز للراحة، للترف ولمفارقة التعب. حتى أنها بالنسبة لـ”ابن سيرين” أحد أشهر علماء تفسير الأحلام. دليل على التقلبات الإيجابية من السعادة والفرحة والسرور الموجود في حياة صاحب الرؤية.

فصحيح أنها قد وصلت متأخرة، متأخرة جداً لثمانين في المائة من الديموغرافية السورية. وهي نسبة الريف في سوريا. وكانت في التسعينيات حِكراً على أولاد أساتذة المدرسة. لكن بعد بضعة سنوات لم تعد تمثل ذاك الصراع الطبقي الدامي وغير المنطقي بين أبناء فلاحي الريف وأبناء موظفي الحكومة. الذين كانوا أساس النظام الاجتماعي الذي تنظمه الطبقة الوسطى في الريف.

إذ كان هذا النظام ينمّق بشكل مكرر ومتجدد مصطلحات لا تعجب الفلاحين. مصطلحات وسلوكيات من قبيل التأدب في المناسبات الشعبية والمحافظة على نمط سلوكي مرتب من مبدأ الاحترام، وكذلك ارتداء البيجامة أمام الضيوف. والتي كانت محط تهكّم الجميع، تماماً كما كانت “بعض المصطلحات” محط سخرية “موليير” وكتّاب المسرح الطليعي على البرجوازية الصاعدة في القرن السابع عشر.

اقرأ أيضاً:هناك انفراجة وسنصبح من الشعوب المحترمة – شاهر جوهر

لكن يباغتني الآن سؤال مستفز: هل كان “كارل ماركس” يرتدي بيجامة حين جلس في غرفة نوم صديقه “أنجلز” ليضعا سوياً البيان الشيوعي؟. لأن أغلب الصراعات الطبقية عبر التاريخ بدأت بالحقد الشعبي على الفوارق الشكلانية من طريقة الأكل ونوع الملبس.

حكاية أزمة البيجامة

وفي هذا سأشارككم حكاية. أذكر في بداية الألفية الأخيرة حين كنت في الإعدادية. حين بدأت البيجامة تغزو سيقان ميسوري الحال، أعلن مدرّس الرياضة وهو أيضاً مدرس مادة الفتوة. أنه ينبغي على كل طالب أن يأتي ببيجامة رياضية لتوزيع الطلاب إلى فريقي كرة قدم.

والمنطق يقول كيف لمدرّس الفتوة أن يمتلك تلك الروح الرياضية في حال اعترض طالب لم يصله هذا الاختراع. وفي اليوم الموعود لانطلاق الدوري المفترض حدوثه تغيب جميع الطلاب دفعة واحدة عن الدوام.

الملفت أنها كانت حركة عفوية و بدون تنسيق “دبّر في ليل” كما أشاع مدرّس الرياضة. ومنذ ذاك اليوم وذاك التمرد أعلنت إدارة المدرسة إلغاء شرط “البيجامة” وأنه يحق للطالب ممارسة هواياته بزيه المدرسي. وجاء ذلك لِما نُقل إلى إدارة المدرسة من تذمر ذوي الطلاب من “الفلاحين” وتَهديداتهم حول “أزمة البيجامة”، ولأجل ذلك باتت البيجامة في الريف رمزاً لأحلام البسطاء صعبة المنال، تماماً كما معطف “غوغول”.

في السنوات التالية تبدلت الأمور. وراحت البيجامة تغزو بيوت الفلاحين بشكل مقنع خلال النصف الثاني من العشرية الأولى. قادمة مع حقائب الطلاب الجامعيين بالدرجة الأولى، وبشكل كبير مع تزايد أعداد الطلاب الدارسين في المدن الكبرى كدمشق وحلب.

اقرأ أيضاً:عُقدة التسعينيات وعُقد 2022 ومابعدها- شاهر جوهر

وماهي إلا سنوات قليلة حتى أصبحت البيجامة بالنسبة للريفي تمثل هوية محلية. ولم تعد مجرد قطعة قماش غربية مترفة لأجل الحشمة، بل تمثل حالة قيمية للمجتمع. لكن لم تخرج هذه الحالة عن نطاق الأسرة الواحدة. ولربما لهذا التحول الكبير تحرك لسان الريفيين بالقول الشائع «كُل على ذوقك والبس على ذوق الآخرين».

أما الآن وفي بلدان أخرى متقدمة لم تعد البيجامة حكراً على غرفة النوم أو أن حدودها جدران المنزل. فحين تتخبط في دروب أوروبا كريفي عايش “أزمة البيجامة” تجدها تغزو شوارع مدنها الكبرى. وهو ما جعل صانعيها يتحاذقون في خياطتها، فمنها الضيق ومنها الوسيع ومنها الطويل والأكثر قصراً. وكانت بعديد ألوانها تبدو كنوع من المعارضة والمغالبة في التفوق على الآخرين. لهذا السبب _ على أغلب الظن _ لم تكن الملابس.ومن بينها البيجامة. بالنسبة ‘لـ”سبنسر” طلباً للستر بقدر ما هي “ليبروز” الإنسان تفوقه على أقرانه الأقل مهارة وقوة. فكانت في طورها الأول أقرب للأوسمة والنياشين.

لهذا وعلى هذا سيق حال البيجامة اليوم عالمياً لما بها من السهولة في الحركة والمظهر الأنيق. بما يتلائم مع قوانين التفوق الأخيرة التي انتشلت شعار السرعة واستغلال الوقت كإحدى أسس ميكانيكا النهضة.

ولهذا وعلى هذا أيضاً ما أعرفه الآن أني ومنذ الصباح الباكر وأنا أبحث عن إبرة وخيط لرأب ثقب في طرف بيجامتي. حتى أتمكن من الانخراط في هذه النهضة.

اقرأ أيضاً:هل أعاد كأس العالم لنا قيمنا؟ -شاهر جوهر

زر الذهاب إلى الأعلى