الرئيسيةيوميات مواطن

أحدهما يحب الحكي والآخر لا يحبه – شاهر جوهر

قصة سوريين في ألمانيا.. قدر المنتصر أن يكون دائماً "ذاك الذي لا يحب الحكي"

في آخر الليل، تحديداً ليل تلك الليلة التي لم تكن لتنتهي، اندفع من غرفة مجاورة صوت اقتتال شريكَي سكن فيما بينهما. أحدهما (يحب الحكي) والآخر (لا يحب الحكي)، فقام الذي لا يحب الحكي بضرب الآخر الذي يحب الحكي. الأمر الذي دفع بالذي يحب الحكي بشتم الذي لا يحب الحكي. وأنت تعلم تكملة ما سيحدث بين سوريَين متعارضين على عيشهما المشترك في هذه القبيلة هنا في ألمانيا.

سناك سوري _ شاهر جوهر

أما أنا فقد كنت أستمع بكل برود لجدالهما الذي علا السكن كله بالشتيمة وبأبشع الكلمات حين كنت مع من تجمعوا على أفاريز الشبابيك. لسماع ما يجري حيث أصبح الصراع وقحاً بحق. أما شريكي في السكن فله سلوك مختلف فهو ابن عشيرة، محترم ويرتب كلماته بلباقة. نهض وارتدى بطانيته ثم أثخن ناظماً في كلماته لي وقد تقصد إغوائي بطيبة الأم حين قال “يبدو أنك فهمان مثلي وابن عشيرة. دعنا نصلح بينهما”.

وحين لويتُ عنقي بتملّص وقلت له أن يدعهما يصلحان أمرهما فيما بينهما لأن الإنسان مخلوق مفترس وقد خُلق بنابان ومخلب. صاح غضباناً “تحرك أنت لست طوبة، شارك هذا العالم أوجاعه”. حاولت ليّه عن أمره بسؤاله ما سيفعل في حال لم يسمع نُصحه أحد. قال مازحاً وقد كست وجهه نبرة واثقة “عندها أرمي الخصيمين بمقلاع”. والمقلاع لمن لا يعلم أقدم سلاح صاروخي استعمله العرب فيما بينهم قديماً، وقد تطور من الحجر إلى رصاص صغير.

وأمام إلحاحه بدا لي أنه سيربط على بطنه حجر ويلقي بنفسه في قعر بئر موحل في حال لم أذهب معه. فتبعته ولا نية لي أن أكون “هرم بن سنان” ولا هو “الحارث بن عوف” في صلح داحس والغبراء. وبعد ساعات من فك النشب بين الخصيمين صاح الذي لا يحب الحكي قائلاً: (ديكان في غرفة واحدة لا يتفقان). لهذا اقترح أن ينقل سكنه وأن يستقر معنا، وكأننا في عُرفه دجاجتان بيّاضتان ينقصنا ديك.

لهذا اتضح لنا أن المسألة لم تعد مسألة (إما/أو)، ولكون صديقي كان طوال صلحه يذكّرهم بإرث أجداده في حل الخصومات القبلية. لم يجد طريقة ليعترض بها على ذلك، وأنا الآخر وحفاظاً لماء وجهه قبلت على وجع. لهذا حمل ذاك الديك أشياءه. وجرّها لغرفتنا مثل حصان جَر قدم إلى مزرعة.

اقرأ أيضاً: البيجاما .. أروع اختراع بشري تأثيراً في النفس _ شاهر جوهر
طردنا من الغرفة!

بعد أيام من وجود شريك ثالث معنا في السكن، استيقظنا على جملة قواعد هي أشبه بسلوكيات إصلاحية تنظم العيش المشترك في هذا المكان. وقد صلبها هذا المصلح الجديد على إحدى زوايا المنزل التي كنا نتخذها مصلّى لنا. تماماً كما فعل مارتن لوثر قبل خمسمائة عام بنشر أطروحاته الـ 95 الشهيرة على باب الكنيسة، وكأن روحه بعثت بيننا من جديد.

ومن تلك الأطروحات بل أكثرها فيما أثار سخط شريكي ،ودفعته لحمل مقلاعه صراحة في وجهه. تلك التي تقول (من يريد الاتصال بأهله أو حبيبته فليحمل عواطفه وهاتفه إلى الخارج وأن استقبال الضيوف في المنزل غير مسموح). وماهي ساعات من اعتراضنا على مشروعه الإصلاحي حتى جاء أمن السكن وقال لي ولصديقي تهمة (إزعاج زميل في السكن بالصراخ ومج السجائر). وعليه تم طردنا من المكان ونقلنا إلى آخر بينما بقي ذاك الديك الذي لا يحب الحكي في سكننا يحادث حبيبته دون أن يزعجه أحد.

قد مضى على تلك الحادثة قرابة الشهر، واليوم في الندوة تنازع أيضاً ديكان جديدان حول المائدة. من بعيد رأيت شريكي العشائري يسكب طعامه برفق قربهما ويغادر دون أن يحركه الأمر. صحت عليه مازحاً: (هيه، يا حفيد هرم بن سنان، تحرك أنت لست طوبة). دنى مني ثم جلا صوته بنحنحة وقد قرقر ضاحكا: إنما خُلق العربي ليفترس. ثم انسحب الى غرفته آمناً مطمئناً.

يبدو لي أنه حين يعيش السوري على خطوط الصدع الجغرافي _ السياسي و الجغرافي _ الديني بين الغرب والشرق. يعني ذلك أن مصيره سيبقى معلقّاً سلفاً بأن يشعل حروبه ويألفها. فالاقتتال بالنسبة له بات جزء من نشاط بشري متواتر تغذيه السياسة والجغرافية والمعتقد، لهذا جاء قدر المنتصر في كل صراعاته بأن يكون ذاك الذي لا يحب الحكي.

اقرأ أيضاً: الغريب للكلب نسيب _ شاهر جوهر

 

زر الذهاب إلى الأعلى