الرئيسيةرأي وتحليل

أوهام الإنجازات العظيمة .. سِجن الحكومات – أيهم محمود

بين أوهام التفوق والتميز والإنجازات الحكومية العظيمة

لا توجد فروق تُذكر بين سجن أبنائنا في أوهام التفوق والتميز، وبين سجن حكومات العالم لنفسها في أوهام الإنجازات العظيمة، في الحالتين ينتصر الوهم على الواقع مؤقتاً ويستمر نزيف الطاقة والموارد إلى أن يُنهك المنظومة بأكملها.

سناك سوري-أيهم محمود

لا توجد إحصائية دقيقية عن عدد الآباء والأمهات الذين سجنوا أولادهم في عقدة التفوق المزعوم، لكننا نستطيع بالتأكيد ملاحظة شيوع الاعتياد في مجتمعاتنا الإنسانية وهو أمرٌ طبيعي يتوافق مع قوانين الكون وقوانين الفيزياء، أين ذهبت جيوش المتفوقين إذاً؟ وكيف استطاعوا ابتلاع قدرهم العادي بعد الاستسلام لأوهام التميز وانتظار زمن قدوم الانجازات العظيمة.

تنحصر أضرار وهم التميز الفردي في العائلة وفي مواقع محدودة في سوق العمل، في المقابل تتحول منظومات الأحزاب والعقائد التي تضع نفسها في سجن الإنجازات العظيمة الاستثنائية إلى حالاتٍ وحشية مدمرة مع استمرار تضاؤل آمال تحقيق الوعود وانكشاف اعتيادية هذه النظم، بعد الكذب يأتي القمع والعنف الموجه إلى كل من يشكك بوجود الإنجازات العظيمة، الأطفال الذين يتجرأون على قول الحقيقية للملك وهو يمشي عارياً بلا ثياب غير ثياب الوهم مصيرهم القتل والتنكيل، كان الطفل في قصة خياط الامبراطور محظوظاً أو ربما كنا نحن المحظوظين بعدم سرد بقية القصة الشعبية وتحديد مصير هذا الطفل الصادق.

تعيش الإنسانية مرحلة المراهقة، العمر العقلي المتوسط للبشر لا يتجاوز ثلاثة عشر عاماً، أول البلوغ، وأول الخروج من مرحلة الضعف الطفولي إلى مرحلة الأوهام العظيمة والتخيلات الاستثنائية عن قدرات جسدنا البشري، ينضج معظم الأفراد خلال بضع سنوت بعد أن تعلمهم الحياة دروسها القاسية لكن نُضج المجتمعات البشرية يأخذ قروناً طويلة من الزمن ويتقدم ببطء شديد، معظم عقائد البشرية ما زالت في المرحلة الفاصلة بين الضعف الطفولي وأوهام المراهقة الكبيرة.

اقرأ أيضاً: ما هو المال وماسبب وجوده؟ – أيهم محمود

نسجن أبنائنا حين نُعلن في العائلة والمجتمع المحيط بنا عن الآمال الكبيرة التي ننتظرها منهم، يزيد هذه الحالة سوءاً بدء سباق منافسة الأهل وصراعهم على التميز حيث يصبح الأطفال مجرد أدوات نستخدمهم لكيد الخصوم والتعمية على فشلنا الذاتي في النجاح والتميز في المجتمع، يتحول الطفل بين أيدينا من مشروع حياة وحب إلى آلة حرب ودمار، والأخطر من هذا كله هو وعيه العميق بأن حبنا وحمايتنا له مشروط بتحقيقه لأوهامنا ورغباتنا الذاتية، لا يقيم الأهل في معظم الحالات وزناً لاهتمامات الطفل ومواهبه بل يدفعونه قسراً باتجاه الاختصاصات العلمية والتقنية التي يعتقدون أنها الأكثر ربحية أو الأكثر تقييماً من قبل المجتمع، هم يقتلون فرص الإبداع الحقيقي في مهدها، لم تكن الحروب عبر التاريخ أداة بناء بل أداة دمار وخراب.

تجتمع الأحزاب السياسية والعقائد الكبرى حول الأحلام عظيمة، في لحظةٍ ما من تحولاتها تلجأ هذه المنظومات للعنف للسيطرة على مجتمعها وبدء إطلاق التحولات المناسبة فيه للوصول إلى مرحلة تحقيق الأحلام العظيمة، للطبيعة والكون حولنا إيقاعٌ خاص لا يتوافق بالضرورة مع طبيعة أحلامنا وأوهامنا وأمنياتنا البشرية، التحولات في العالم الفيزيائي تتطلب الطاقة والعمل المستمر على صيانتها وإلا سيكون مصير هذه التحولات الإنكماش المستمر والاندثار.

تعتقد الأحزاب السياسية بكفاية نجاح السيطرة الطفيلية على المجتمع لتوجيه إنتاجه وتغيير علاقاته الداخلية الناظمة لحركته، في الواقع العكس هو الصحيح، في معظم الحالات المعروفة استطاعت المجتمعات ابتلاع هذه الطبقة الحالمة وهضمها كما تفعل العناكب بفرائسها، تمتص كل داخلها وتترك القشرة الخارجية للعرض العام فقط، لا أحد يلاحظ هذه التحولات في المجتمعات الحالمة إلى أن يأتي طفل ويصرخ بكل براءة وصدق: الملك عاري!.

اقرأ أيضاً: تاريخنا الذي يتغنى به البعض يشبه واقعنا اليوم – أيهم محمود

زر الذهاب إلى الأعلى