الرئيسيةرأي وتحليل

ما هو المال وماسبب وجوده؟ – أيهم محمود

ماذا تعرفون عن العمليات السوداء التي تنتهي بإفلاس أحد الأثرياء؟

حين رحل الاحتلال الفرنسي عن سوريا رحل معه مقدارٌ من الذهب السوري، دار الحديث في العقود الماضية أيضاً عن الاحتلال الأمريكي وعن ذهب العراق، وسمعنا أيضاً روايات مختلفة عن موت الرئيس الليبي السابق وعلاقة موته برغبته بالتعامل بالذهب بدل الدولار، ومن تابع الأحداث الهادئة الصغيرة التي لا تجذب الكثير من الاهتمام العام يعلم بالتأكيد عن شخصيات ديكتاتورية تم استقبالها بعد الإطاحة بها في دول الحرية كما تُعرِّفُ نفسها ويراها الكثيرون في العالم بهذه الصورة، ثم تم لاحقاً بهدوءٍ شديد امتصاص الثروة الضخمة المسروقة التي يمتلكها هؤلاء على مدى سنوات طويلة إلى أن نسيهم الناس حتى في بلدانهم الأصلية، بعد ذلك رأينا قضايا قانونية تلاحقهم، إما السجن أو الفرار وترك كل المال هنا، انتهى الآن واجب الاستضافة الطويلة.

سناك سوري-أيهم محمود

ربما يعرف الكثير من المتابعين للشأن العام العالمي هذه الأحداث وهي تُشكّل أحد المواضيع المهمة التي تدور في قنوات الإعلام الحديث، قنوات الإعلام الرقمي وقنوات إعلام مواقع التواصل الإجتماعي، لكن الأمر لا يقتصر على هذه الجزئية الصغيرة فقط، حركةُ تدفق المال مستمرة من الداخل نحو الخارج وليس نادراّ أن ينتهي هذا المال إلى الضياع بل هي القاعدة العامة هنا، ضياع المال في صورة إفلاس البنوك وفي انفجار الفقاعات الإقتصادية وفي انهيار أسواق المال وفي العمليات السوداء التي لا نعرف عنها الكثير والتي تنتهي إلى خروج أحد الأثرياء من اللعبة الاقتصادية خالي اليدين.

اقرأ أيضاً: إيصال الدعم إلى غير مستحقيه – أيهم محمود

ما هو المال وما سبب وجوده؟.
الأمر بسيط للغاية:

احتاجت البشرية رمزاً تبادلياً يوفر عليها بعض الأمور الشاقة مثل إحضار بضاعةٍ هائلة الحجم معك لتأخذ مقابلها على ما تريد من البضائع التي تحتاجها، هو تسهيلٌ لفعل التواصل بين البشر، الفأس أيضاً لها استخداماتها الضرورية البسيطة قبل أن تندلع الحروب الإنسانية لتصبح لها استخدامات وحشية أخرى تُنسينا أسباب وجودها الأساسية، يصعبُ نهب بضائع وموارد بلدٍ بأكمله، يتطلب تحقيق هذا الأمر احتلالاً مباشراً وكتل ضخمة من العسكريين والمدنيين مع مخاطر تشغيل عالية، إضافة إلى أن عمليات النهب ليست محصورة فقط بالموارد الطبيعية بل يشمل النهب أيضاً طاقة العمل البشري التي تشبه في طبيعتها قطرات الماء التي تتجمع ببطء عبر مساحات واسعة وخلال زمن طويل لتشكل أنهاراً وبحيرات.

الحل القديم لهذه المسألة الشائكة كان في فعل الاستعباد المباشر للبشر من أجل سرقة طاقة عملهم بشكل آني، الحل الحديث يعتمد على آلياتٍ أقل وضوحاً، تبدأ الحكاية مع تشكيل نخب مالية محلية تملك ثقافة استهلاكية خاصة تدفعها بشدة لوضع فائض الأموال في البنوك العالمية إلى أن يتم جنيها لاحقاً كما يفعل النحّال مع العسل، أساليب جني العسل المالي مختلفة، تبدأ بانهيار الأسواق المالية، وتنتهي بافتعال حروب موضعية تدفع الحالمين بالخلاص منها إلى دفع أموالهم خارج البلاد، لكن الحقيقة العارية تقول أن ما أخرجوه من بلادهم ليست أموالهم الشخصية بل صورة مختصرة رمزية عن خيراتها وبضائعها وطاقة العمل التي تم تجميعها عبر الزمن وعبر الجغرافيا قطرةً قطرة كما يفعل النحل النشط قبل أن يقوم الإنسان بفتح منزله واستخراج جهد سنة أو جهد بضع سنوات خلال دقائق قليلة.

يجب إقناع النخب المحلية أن هذا المال المتراكم بين أيديهم هو مثل الأشياء الشخصية التي يملكونها في المنزل، هي ملكٌ لهم فقط، ويجب إقناعهم أيضاً بأن مليارات الدولارات التي تُعَبِّرُ اختصاراً عن جهد مواطني دولة ما خلال عقود طويلة هي ملكهم بالفعل ويحق لهم إخراجها خارج الحدود وخارج البلاد ثم وضعها في كثير من الحالات الواقعية في يد أعداء البلاد نفسها، إخراج العسل يكون على مراحل متعددة، في المرحلة الأولى تُكلَّفُ بعض القوى المحلية بجمعه لكي لا تثير النحل فيتحد ضد المعتدين على خليته، ثم يتم في مرحلةٍ لاحقة جمعُ المال من البنوك العالمية بآليات ذكية أيضاً لا تثير مخاوف نحلِ المرحلةِ الثانية، بل تزيده إصراراّ على جمع المزيد من المال ووضعه في البنوك الدولية، لا يوجد الكثير من الكلام لإضافته بعد هذه الصورة، لذلك أُفضِّلُ التوقف هنا.

اقرأ أيضاً: تاريخنا الذي يتغنى به البعض يشبه واقعنا اليوم – أيهم محمود

زر الذهاب إلى الأعلى