رأي وتحليل

هل سيجرؤ المهندسون حقاً على تدعيم الأبنية المتضررة من الزلزال؟

فقرة في قانون الكود السوري تحّمل المهندس المسؤولية وتزيلها عن عاتق المسؤولين الحقيقيين

ورد في البند “ج” من الفقرة ١-٣-٢ من الكود السوري التي تتحدث عن مسؤولية المهندسين الدارسين والمدققين لتقوية المباني والمنشآت القائمة. وتأهيلها ما يلي: “تنتقل المسؤولية القانونية لسلامة المبنى (بعد تنفيذ التقويات الإنشائية) من الدارسين والمشرفين الأساسيين للمبنى. إلى المهندسين الدارسين والمدققين والمشرفين (كل حسب مساهمته) على تنفيذ أعمال التقويات (بالإضافة إلى المتعهد). وفقاً للقانون السوري، لذلك على هؤلاء المهندسين التأكد من المبنى القائم المطلوب تقويته. ودراسة التقوية اللازمة، والإشراف على تنفيذها، بشكل يضمن سلامة المبنى بعد تنفيذ التقوية، وفقاً للكود العربي السوري وملاحقه”. انتهى الاقتباس.

سناك سوري-أيهم محمود

تخلق هذه الفقرة مشكلات قانونية كبيرة وغير قابلة للحل لكل من يحاول المساهمة في درء خطر انهيار متوقع لبناء تضرر بفعل الزلزال. هذه الفقرة آمنة جزئياً في حال رغبة أحد المالكين أو المتعهدين بزيادة طوابق إضافية فوق مبنى قائم وبالتالي على من يقوم بعملية التدعيم. التأكد من سلامة كامل المبنى بكافة الطرق الممكنة والمتاحة وهي للأسف ليست دقيقة دائماً، مثل حالة الكشف على فولاذ تسليح الأساسات والأعمدة والجدران.

ربما نستطيع ببعض الوسائل المكلفة جداً حالياً تحديد أقطار وتباعد تقريبي لقضبان الفولاذ في بعض العناصر الإنشائية لكن بالتأكيد. لن نستطيع التأكد من صحة تفاصيل الفولاذ ومن حالة الطبقة السفلية على سبيل المثال لأساس حصيرة على كامل مساحة البناء.

الإعفاء الكامل للمصمم والمشرف والمتعهد الأساسي وتبرئة ساحتهما كلياً أمر غير منطقي، لأن من يقوم بعملية التدعيم يعود إلى المخططات. والوثائق الرسمية ويبني تدعيمه بناءاً عليها خاصةً في المسائل التي لا يمكن رؤيتها بشكل مباشر، هذه الفقرة تقول لجميع المهندسين لا تتورطوا في دراسة التدعيم. وابقوا بعيدين عنه لأنها تمنح الغفران التام والكامل لمن غش في فولاذ التسليح ولكافة الجهات الخاصة والرسمية التي تغاضت عن هذا الغش بل وصادقت عليه.

اقرأ أيضاً: هل تحسم الحكومة جدل رسوم الترميم وتتكفل بدفعها؟

وهي في الوقت نفسه تدين إدانة تامة من آمن بصدق ما ورد في أوراق رسمية وقانونية صادقت عليها نقابة المهندسين وصادق عليها ممثلوا الجهات الرسمية ذات الصلة بعملية البناء (البلديات)، فهل الحكمة هنا من هذه الفقرة الهامة في الكود وجوب عدم تصديق البيانات والأوراق الرسمية!؟.

أفهم جيداً ضرورة قيام مهندس التدعيم بإعادة حساب كامل المبنى والكشف على كل العناصر التي يمكن الكشف عنها، لكن كما ذكرنا سابقاً تبقى التفاصيل الأهم والأخطر مخفية، بدل إصدار أمر تبرئة قطعي لكل من أصدر وثائق رسمية غير صحيحة كان من الممكن تشكيل لجنة خبراء في حال حدوث خطأ ما لدراسة مكمن هذا الخطأ.

وهل كانت أضرار بعض العناصر -في حال حدوثها- نتيجة التدعيم أو نتيجة غش أو خطا تنفيذي في العناصر الإنشائية الأساسية، أما خطأ الدراسة فهو مسؤولية الجهة التي قامت بالتدعيم لأن عليها التدقيق في التصميم الأساسي إن كان صحيحا أو غير صحيح، لكن مع ذلك، أفهم جزئيا غاية التشدد هنا لدفع المهندسين والمتعهدين إلى التدقيق الجيد في مثل هذه الحالات حيث يتوفر لهم الوقت لدراستها واختبارها على مهل والتدقيق في التفاصيل الممكنة، لكن ماذا عن حالة الزلازل؟.

ماذا عن حالة مصاب دخل إسعافياً إلى مشفى نتيجة حادث سير أو أي حادث طارئ آخر وهو مشارفٌ على الموت، هل يجب معاقبة الطبيب لأنه لم يقم بكامل التحاليل الطبية المطلوبة قبل حقنه بالأدوية الإسعافية أو التدخل جراحياً بشكلٍ سريع وطارئ، هل نعاقبه لوجود تداخل دوائي أدى إلى وفاة المصاب، لا وقت في هذه الحالات للتدقيق الفائض لأنه يعني وفاة المريض حتماً أما التدخل السريع والمباشر فهو يعني احتمال حياة، ويعني أيضاً أمل حياة مهما كانت نسبة المخاطرة عالية.

اليوم وأمام انهيار الزلازل نقف أمام حالة الطبيب نفسه، رأيت بنفسي أعمدة متضررة وتحتاج إلى علاج سريع وطارئ، الزلازل لم تتوقف وقد يؤدي زلزال آخر إلى تفاقم سوء الحالة أو إلى انهيار المبنى كلياً، هل نغامر بخسارة بناء كامل وتشريد كامل سكانه وربما الإضرار بأبنية مجاورة سليمة وتهديد حياة قاطنيها، لمجرد ورود فقرة تغسل كامل المسؤولية عن كل الجهات التي لم تكتب الحقيقية في بيانات رسمية موثقة لدى إدارات الدولة، وهي بيانات مُصادق عليها من أكثر من جهة معتمدة علمياً وقانونياً، كأنكم تقولون لطبيب الإسعاف: “سنقوم بإعدامك أو سجنك إن مات المريض وأنت تحاول إنقاذه”.

اقرأ أيضاً: هل معاقبة متعهدي البناء ستحمينا من الزلزال القادم؟
خسارة

أتوقع أننا سنخسر في هذه الحالة معظم مصابي الحوادث، لأن الأطباء لن يغامروا هذه المغامرة الخطرة جداً على حياتهم ومستقبلهم، بالنسبة لي سيصبح قرار هدم البناء كله من أجل عمود واحد متضرر أقرب للصواب والسلامة بعد هذه الفقرة الواضحة، أو على الأقل أنا أعلنها بشكل صريح هنا، لن أتورط في عملية تدعيم مهما كانت الأسباب، قوموا بهدم جميع الأبنية التي تضررت جزئياً أو كلياً وانتهى الأمر ولا تعرضوا معظم مهندسينا لخطر السجن ورفع دعوة قضائية ضدهم من قبل أي شخص وأي جهة خاصة أو عامة.

أحد أكبر مشاكل العقل السوري الجمعي أنه مازال متأثراً بقانون حمورابي أو حتى بالقوانين الأقدم منها بكثير، لم يعترف هذا العقل الجمعي بأن العلم محاولة دائمة للقفز في المجهول، وأننا يجب أن نميز دائماً بين خطأ هندسي واضح، وبين محاولة تقدير علمية في أمور لا يمكن معرفتها سواء بسبب عدم وجود تقنية متوفرة لدينا تسمح بها، أو بسبب تعقيد الظاهرة المدروسة وعدم وجود حل دقيق لها، في الحالات الإسعافية وعندما يكون لدينا المئات من الأبنية التي تحتاج إلى تدخل فوري وسريع، تأتيك فقرة مثل هذه لتجعلك تفكر، بل وتقتنع أن موت المريض أرحم له ولنا؟، للأسف، وللألم، وللقهر الشديد أيضاً.

الرحمة والصبر والسلوان لأصحاب الأبنية المتضررة، لكن كما ترون وتشاهدون لا يمكن المساعدة في أمر قد يقضي على حياتي المهنية ويعرضني للسجن لسنوات طويلة، أتحدث هنا بضمير المتكلم وعلى بقية الزملاء قبول أو رفض ما اوردته هنا في هذا النص، نأمل تفهّمكم ومسامحتنا، قلوبنا معكم في مصابكم هذا.

اقرأ أيضاً: مصير الدول التي تحتقر العقل والضمير – أيهم محمود

زر الذهاب إلى الأعلى