الرئيسيةرأي وتحليل

جيل الموبايلات مقابل جيل الصحف الورقية – أيهم محمود

مواقع التواصل منجم بيانات هائل للذين يعلمون كيف يستفيدون منها 

يحلو لمثقفي الجرائد المنقوعين بالاسمنت بدل النشاء، والمكويين بعناية وأناقة، وضعَ صورةٍ من ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي. نجد فيها الناس في المقاهي والباصات ممسكين بالجرائد الورقية رمز الثقافة العميقة الرفيعة، ثم يضعون في المقابل. صورةً للشباب الحالي وهم يمسكون بهواتفهم في وسائط النقل نفسها.

سناك سوري-أيهم محمود

يحلو لهؤلاء المثقفين الورقيين الذين دخلوا مرحلة شتم من هم أصغر منهم سناً -كما شُتِموا هم ممن يكبرونهم في السن في مراحل سابقة-. بدء حفلة الردح بعبارة: “الله يلعن ها الجيل ..”، لا بد أن قراءنا قد سمعوا هذه العبارة كثيراً، وهنا أعترف بجريمتي بلا أي ضغط ولا إكراه. أنا أقرأ من الموبايل، وأكتب مقالاتي على الموبايل، أحصل على الكثير من الأخبار والتحليلات العامة من مواقع التواصل الاجتماعي. كنتُ سابقاً من جيل الورق حتى في عملي الهندسي، ثم ظهر الحاسب الشخصي فانتقلنا إلى استخدامه. ثم ظهرت أجهزة الهاتف الذكية، لا أعلم ما الذي سيظهر بعدها في المستقبل، لكن أعلم أني سأنتقل لاستخدامه مع شباب العصر ولن أقف في مكاني لأشتمهم.

اقرأ أيضاً: كيف نصنع مأساتنا بأنفسنا – أيهم محمود

بعض الشباب يعلم جيداً ما يقرأ، يستفيد من هذه الأجهزة الذكية بفعالية قصوى لا يمكن لأي نظام ورقي أن يجاربها، نوع المعلومات التي يقرأها هذا الجيل متنوعة. مثل تنوع مواد الصحف الورقية، لا نعلم نوعية المقالات التي اهتم بها قراء الصحف في صورة الباص الشهير الذي نراها في صفحات الفيسبوك. قد يكون هؤلاء مهتمين بمقالة عن ممثلة مشهورة، ماذا قالت لزميلها، وبما أجابها فكسر قلبها، وكم مرة تزوجت أو تطلقت. كيف تأكل، وكيف تدخل الحمام، كما تعلمون هذه ثقافة ورقية رفيعة ودسمة مقابل الثقافة الضحلة لشاب يتصفح موقع الفيسبوك خلال وجوده في باص مشابه.

لا أعلم ما الذي سيظهر بعدها في المستقبل، لكن أعلم أني سأنتقل لاستخدامه مع شباب العصر ولن أقف في مكاني لأشتمهم.

يستطيع هذا الشاب خلال دقائق قليلة معرفة ما يجري في العالم كله من الناس مباشرة، بدل انتظار الصحف وانتظار طباعتها. وانتظار ترشيح أخبارها وغربلتها لتناسب سياسة الصحيفة، أو تتناسب مع السياسات العامة المفروضة في البلاد، هذه الثرثرة في الفيسبوك وغيره هي تبادل معلومات سريع بين ثقافات مختلفة. لم يعد أمراً نادراً أن تستقي الصحف الورقية الصامدة المتبقية جزء مهم من أخبارها من مواقع التواصل الاجتماعي. باعتبارها منجم بيانات هائل للذين يعلمون آليات الابحار فيه، ويعلمون كيف ينشئون فيه ارتباطات جيدة مع عقد ثقافية موثوقة، بدل الجلوس فيه لنشر الهِداية ودعوة الشباب لمغادرة هذا الموقع الضار!.

هذا الجيل الذي عاش حربين عالميتين بفضل سياسات التغييب العقلي، ثم عاش أبناؤهم بعدهم على أوهام الثقافة الموجهة وهنا أتحدث الآن عن منطقتنا بالتحديد. هم آخر من يحق لهم الحديث عن الجيل الجديد، إن كان شبابنا يفرون الآن من المنطقة على حلم هجرة بلا عودة. فذلك لأن هناك جيل سابق غرق في الأوهام والأحلام الكبرى حتى جعل المنطقة غير قابلة للحياة. أولادنا يأكلون الآن مواسماً زرعتها أيدي من يعيّرهم بنوعية قراءتهم، قد يفهم هؤلاء الشباب العالم بشكلٍ أفضل وأوسع وأشمل، دعونا لا نقتل تجربتهم بعجز بعضنا عن مواكبة لغة العصر.

بالنسبة لي، أفعل مثلهم، أستخدم أدواتهم، أتقدم علمياً بفضلها أضعاف أضعاف ما تقدمت بعملي خلال المرحلة الورقية، مواقع التواصل الاجتماعي أغنتني عن مشاهدة البرامج التلفزيونية. لم أشاهد التلفاز منذ أكثر من ١٥ عاماً حتى قبل انتشار الفيسبوك، قبله، كان الإنترنت يغنيني عن متابعة وسائل الإعلام التقليدية، هذا الأمر غير حياتي بشكل إيجابي. لذلك عندما أسمع من يتحدث عن هؤلاء الشباب ويسميهم “جيل الموبايل”. ابتسم، إنه لأمر رائع، سيجد هؤلاء الشباب أخيراّ تسميةً تفصلهم جيداً عن أجيال الفشل والخيبات الكبرى، عن أجيال العجز حتى عن فهم احتياجات أبنائهم وأحفادهم.

اقرأ أيضاً: الاستقالة من العبودية في العالم الموازي – أيهم محمود

زر الذهاب إلى الأعلى