الرئيسيةقد يهمكيوميات مواطن

أحياء حمص القديمة تفك حداد الحرب عشية الميلاد

رجل ستيني يطلب من أولاده المهاجرين إلى ألمانيا أن يعودوا إلى حمص لأن الفرح عاد

سناك سوري – حمص

بعدما امتنعوا خلال السنوات الأخيرة عن الاحتفال بالأعياد، ينهمك سكان حي الحميدية في مدينة حمص السورية بوضع اللمسات الأخيرة على شجرة عملاقة تعلوها نجمة حديدية وسط شارع يلف الدمار بعض أبنيته رغم توقف المعارك.

ويعم ضجيج مطرقة يستخدمها أحد المتطوعين لتثبيت منصة حديدية الحي السكني في حمص القديمة التي شهدت على معارك ضارية بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة في الفترة الممتدة بين العامين 2011 و2014.

ومن المقرر أن تستضيف هذه المنصة عروضاً مخصصة للأطفال ونشاطات متنوعة تزامناً مع الاحتفال بإنارة الشجرة الخضراء عصر الخميس.

وتقول المديرة التنفيذية لمؤسسة بيتي للتنمية، رولا برجور (46 عاماً): “في العام 2014، كانت الشجرة مصنوعة من الأنقاض، وكنّا قد عدنا للتو إلى هذه الحارة المدمّرة”، بحسب ماجاء في وكالة فرانس برس.

وتضيف بعد توزيعها المهام على فريق من المتطوعين الشباب “لكن هذه السنة مع عودة الأهالي وعودة الحياة.. بدأت الناس تفرح مجدّداً”.

ورغم تجاوزه الستين عاماً، أصر عبدو اليوسفي أحد سكان حي الحميدية ذات الغالبية المسيحية، على مساعدة المتطوعين. وتولى مهمة جر صناديق الزينة الى جوار الشجرة.

ويقول وهو يمسح جبينه بمنديل أبيض “في الماضي، كانت شجرة الميلاد فرحة الأطفال، أما اليوم فهي فرحة للكبار والصغار، فالشجرة تجمعنا حولها”.

ويشير مبتسماً الى الشبان حوله “كما ترى جميع سكّان الحارة يتعاونون ويضحكون كالأطفال الصغار” قبل أن يطلب من أحدهم أن يلتقط له صوراً بجوار الشجرة ليرسلها الى أبنائه الذين هاجروا الى ألمانيا بعد اندلاع النزاع.

ويضيف بصوت مرتفع “أريد أن أطلب منهم أن يعودوا، لقد عاد الفرح إلى حمص”.

ووصل عدد سكان مدينة حمص قبل اندلاع النزاع، الى نحو 800 الف شخص، فرّ الكثير منهم بسبب المعارك. وقد عاد بعد انتهاء المعارك عشرات الآلاف بينهم الآلاف الى المدينة القديمة.

اقرأ أيضاً: المظاهرات تعود إلى حمص من جديد، لماذا وضد من؟

أثناء تزيين الشجرة، يمر أطفال ويتسمرون أمامها لدقائق. يتأملون زينتها المبعثرة فيما ينهمك عمال بناء في الجهة الأخرى من الشارع بترميم منازل ومحال متضررة بفعل المعارك، تمهيداً لافتتاحها تزامناً مع موعد إنارة الشجرة.

في منزل داخل مبنى شبه مهجور، زينت إحدى العائلات شجرة صغيرة بإضاءة حمراء خافتة، تطل على شرفة لا تزال آثار حريق واضحة عليها.

ورغم توقف المعارك في المدينة منذ أيار/مايو 2014، لا تزال معالم الدمار في كل ناحية وصوب. أبنية شبه مدمرة، وأخرى تصدعت طوابق منها ومتاريس لا تزال تزنّر الشرفات.

وخرجت في مدينة حمص التي لقبها ناشطون معارضون بـ”عاصمة الثورة” كبرى التظاهرات الشعبية في العام 2011. وشهدت المدينة معارك ضارية بين الفصائل المقاتلة والجيش الذي تمكن في العام 2014 من السيطرة على مجملها بعد انسحاب نحو ألفي مقاتل معارض من أحيائها القديمة بموجب اتفاق تسوية أعقب عامين من الحصار والقصف.

وانكفأ المقاتلون الباقون آنذاك الى حي الوعر الى جانب آلاف المدنيين، قبل أن ينسحبوا منها على مراحل خلال الفصل الأول من العام الحالي بموجب اتفاق تسوية مع الحكومة أيضاً.

على بعد أمتار من مكان الشجرة، علّقت عشرات الصور على جدران الحي تظهر شباناً ورجالاً، بينهم مهندس وعسكري، قتلوا خلال الحرب. وكتب فوق إحدى هذه الصور عبارة “جدار الشرف”.

وبفعل الأمطار ومرور الزمن، بهت لون بعض الصور وتضرر بعضها الآخر فيما صمدت صورة الكاهن الهولندي فرانز فان در لوغت الذي قتل في نيسان/أبريل 2014 برصاص مجهول داخل دير الآباء اليسوعيين الواقع على بعد أمتار من مكان الشجرة في وسط حمص القديمة.

وتحول هذا الدير حيث دفن الأب فرانز محجاً لكثيرين ممن عرفوه أو سمعوا عنه وعن انسانيته اللامحدودة.

وتحتضن أحياء حمص القديمة كنائس عدة أبرزها كنيسة أم الزنار، حيث يعمل شبان على ترتيب مغارة الميلاد المصنوعة من الورق البني ووضع التماثيل داخلها.
ويشرح أحد وكلاء الكنيسة عماد خوري لفرانس برس “كان الحزن في السابق حاضراً في أعيادنا بسبب الشهداء الذين قضوا والدمار الذي حلّ بالكنيسة”.

ويقول “كنا نقيم صلواتنا على الأنقاض، لكن اليوم ترمّمت الكنيسة، وعادت الزينة. عيدنا هذه السنة يشبه أعياد ما قبل الحرب”.

وتعد كنيسة أم الزنار ذات الجدران الحجرية الرمادية أشهر كنائس حمص القديمة. وتسببت المعارك باحتراق جزء منها ودمار جزء آخر، ولا تزال الحفر الكبيرة في وسط الطريق المؤدية اليها والدمار الذي لحق بالأبنية المجاورة شاهداً على ضراوة القتال.

اقرأ أيضاً: ظلال النصر يكشف عن منفذي تفجيرات حمص الشهيرة

وتشرف أعمال الترميم على الانتهاء في الكنيسة، حيث وضعت مقاعد خشبية جديدة وتدلت من السقف نجوم حمراء وعلقت أيقونة كبيرة للسيدة العذراء في احدى زوايا الكنيسة.

ويشرح أحد وكلاء الكنيسة ميخائيل عويل (66 عاماً) لفرانس برس “أعدنا أيقونات ثمينة الى الكنيسة كنا قد خبئناها بعد تضرر بعضها خلال الحرب، وأحضرنا أيقونات جديدة”.

داخل الكنيسة، تصدح أصوات الجوقة خلال تمرينات كثيفة لأداء تراتيل الميلاد تزامناً مع استعداد كشافة الكنيسة لتنظيم استعراض موسيقي في شوارع الحي يوم الميلاد.

على بعد شوارع عدة، تصدح موسيقى من داخل مطعم جوليا دومنا الشهير في حمص القديمة، الذي أعيد ترميمه قبل عام بعد تضرره خلال المعارك. وينشغل عمال بتعليق حبل من الأضواء فيما ينهمك مدير المطعم مالك طرابلسي في احتساب الحجوزات.

ويقول بفخر لفرانس برس “عادت الأعراس بعدما كثرت الجنازات، وامتلأ المطعم بالزبائن بعدما هجروه طيلة سنوات الحرب”.

ويضيف “انتهت الأحداث المؤلمة، أعتقد أن حمص وصلت اليوم إلى برّ الأمان وأعلنت فك حدادها”.

سناك سوري – فرانس برس

اقرأ أيضاً: هذا ما حصل مع 27 طالباً لديهم واسطة في حمص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى