الرئيسيةرأي وتحليلشباب ومجتمع

العدالة القاتلة… عبرة العنف المستمر باسم الشعب

لايمكن لدولة أن تتقدم إنسانياً وفي قوانينها نصوص تقتل

“عبرةً لمن يعتبر” هذه هي العبارة التي غالبًا ما نسمعها مترافقةً مع النطق بحكم الإعدام بحق أحد المرتكبين أو مع إعدام أحد المحكومين.

سناك سوري – رفيق زخريا

وهي بالأحرى بمثابة تبرير لهذه العقوبة الهمجيّة التي تطبّقها الدول المتخلّفة فكريًّا في ظل التوجّه العالمي إلى إلغاء عقوبة القتل باسم الشعب أو القانون على اعتبار أنها عقوبة رادعة تحقّق العدالة.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو الرادع في عقوبة الإعدام؟ النطق بالحكم أو تنفيذه؟ وكيف يمكن التأكد من الردع المزعوم؟.

الإعدام العلني للنشّالين قديمًا سواء في فرنسا أو بريطانيا لم يمنع زملاءهم من اقتراف جريمة النشل بين الحشود التي كانت ” تتفرّج ” على تنفيذ القتل بزميلهم في الساحة العامة.

اقرأ أيضاً: المناضلة اللاعنفية ومؤسسة جامعة اللاعنف “أوغاريت يونان” في حوار مع سناك سوري عن العنف واللاعنف

وفي لبنان، حصلت جرائم بالتزامن مع تنفيذ أحكام الإعدام سواء التي تمّت في الساحات العامة أو داخل السجون. فبالتزامن مع آخر عملية إعدام علنيّة في ساحة طبرجا، وقعت جريمة قتل أحد الأطفال على شاطئ البحر. والقاتل الذي لا يزال في السجن حتى تاريخه أكّد لنا شخصيًّا أن علمه بتنفيذ الإعدام لم يمنعه من ارتكاب الجريمة.

وأيضًا بالتزامن مع آخر تنفيذ لأحكام إعدام داخل سجن رومية عام 2004، وُجِدَ الشاب ج. ت. مقتولاً ومرميًّا في مستوعب للنفايات. هذا عدا عن حالات قيام الأطفال في لبنان بتمثيل عمليّة الإعدام بعد مشاهدتهم لهذه العملية البربريّة منقولةً على شاشات التلفزة بحذافيرها.

طبيعي أن يخشى الإنسانُ الموت، فالحرمان من الحياة هو بدون شك أقصى عقوبة. وبالتالي، ولو أن الخوف من الموت أمرٌ بديهي. فالبديهي أيضًا أن هذا الخوف ليس كافيًا لردع الأهواء البشريّة فالثأر والشرف والحب والكرامة ونظرة المجتمع وعدالة القضيّة هي ” مُثُلٌ عليا” قادرة بسهولة على مواجهة الخوف من الموت لدى المرتكب. وبذلك لا يكون للردع العام دورٌ أساسي في حمل المرتكب على عدم القتل لأن الدافع ” المُبَرَّر” – برأيه – للقتل يُقصي الخوف من الموت بل وربما يحوّله بطلاً.
والحال ما تقدَّم، فإنه لم تثبت فعالية العبرة الرادعة لمنع حدوث الجريمة، وبالتالي هل ثمّة عبرةٍ معكوسة؟ كيف يَعْتَبِرُ المواطنون من قوانين الدولة التي يقيمون فيها؟.

اقرأ أيضاً: يوم اللاعنف … ثورة احترام الإنسان

يتبيّن من الإحصاءات وأيضًا من المراقبة البسيطة أن نسبة الجرائم في الدول التي ألغت عقوبة الإعدام هي أقل منها في الدول التي لا تزال تنفّذ هذه الممارسة الهمجيّة. بل أكثر من ذلك، ففي الولايات المتّحدة الأميركيّة يتبيّن أن نسبة الجريمة في الولايات التي لا تزال تطبّق عقوبة الإعدام هي أعلى من نسبتها في تلك التي ألغتها.

وبالتالي فإن العبرة المعكوسة هي في اطمئنان المواطن ولجوئه إلى إستعمال العنف ما دام العنف موجودًا في صلب القانون ومن خلال تطبيقه أيضًا. وأكثر من ذلك يمكن أن يرتكب المرء جرمًا ويقتل شخصًا أو أكثر تنفيذًا لنصٍّ قانوني سارٍ لأنه يرى إستنكافًا من السلطات المعنيّة عن تطبيق هذا النص على ضحيّته (المخالفة للقانون برأيه). فيبادر هو إلى القتل معتقدًا أنه يقوم بعملٍ بطولي منصّبًا نفسه حاميًا للقانون ومنفّذًا للعدالة. وهذا ما حصل في لبنان.

كان فيكتور هوغو رافضًا لعقوبة الإعدام ومناهضًا لها، وكان مؤيدوها متمسّكون بكونها رادعةً لباقي المجرمين وخاصةً من خلال التنفيذ العلني. في كلمته أمام البرلمان عام 1848 قال لزملائه النواب: ” انظروا، تأمّلوا، تلحّون على المثال؟. لماذا؟ لأنه يعطينا درسًا … أي درس تريدون بمثالكم؟ أنه يجب عدم القتل .. وكيف تُعَلّمون ذلك؟ بالقتل؟”.

اقرأ أيضاً: جان ماري مولر.. فيلسوف هذا العصر – ناجي سعيد

العدالة القاتلة لا يمكن أن تسير بأي بلدٍ إلى التقدّم والرقي. وبالتالي فإن بداية المسار تكون من خلال إخراج القتل من القانون. وهذا ما قد يأخذ سنين طوال. ففي فرنسا مثلاً ألغيت عقوبة الإعدام عام 1981 رغم وجود مناهضين لها منذ القرن السابع عشر. وكان الفضل في إلغائها للرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران الذي ضَمَّن برنامجه الإنتخابي للرئاسة سعيه إلى إلغاء العقوبة القصوى. والفضل أيضًا إلى وزير العدل آنذاك روبير بادنتير الذي توجّه إلى المشرّعين الفرنسيّين بما يلي:
« غدًا، بفضلكم، لن تكون العدالة الفرنسيّة عدالةً تقتل. بفضلكم لن يكون لدينا بعد الآن شعورٌ بالخزي من عمليّات الإعدام ».

لا يمكن لدولةٍ أن تتقدّم إنسانياً وفي قوانينها نصوصٌ تقتل. في مسيرة التقدّم يجب إخراج القتل من القوانين نهائيًّا فالدولة القاتلة مثالٌ سيء لمواطنيها وعبرةٌ معكوسة يحتذي بها المجرمون. بل إن تجربة فشل العدالة القاتلة على مر العصور إنما هي عبرة لمن يعتبر بفشل هذا المفهوم خصوصاً السلطات والمشرعون الواجب عليهم إيقاف “عدالتهم القاتلة”.

اقرأ أيضاً: الإعدام.. نقتل إنساناً لنخبره ألا يقتل أحداً – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى