الرئيسيةرأي وتحليل

الشباب المندفع وتحذيرات من خطأين اثنين- ناجي سعيد

هل العقل للغرب والقلب للشرق؟

لقد كنت في سنّ التاسعة عشرة حين قرأتُ كتابًا لأحد المفكّرين، وعنوان الكتاب المُلفت هو: “هل العقل للغرب والقلب للشرق”. ومنذ ذلك الحين، وأنا أبحث عن التوازن الذي استخلصته، وبنظرة فردية (لا دخل لها بالشرق أو بالغرب). فالتوازن مطلوب نهجًا يسير عليه أي شخصٍ كي يبتعد عن الأخطاء الناجمة عن الإندفاع.

سناك سوري-ناجي سعيد

والاندفاع هو مَلَكَة ينتهجها الإنسان مستندًا على رصيده العاطفي الذي يُخزّنه القلب! فمن المؤكّد -المعلومة علميّة-: أن العقل يُقرّر، والقلب يُحبّب الإنسان بالقرار المُتّخذ.

ومن لا ينصاع لقرارات العقل، تراه ينشغل بمعالجة أخطاء وعواقب القرار العاطفي، وأقول العاطفي، وأقصد “الإنفعالي” ولا أقصد “الحياة العاطفية”. ولكنّ لا أستبعد صعوبة هذا المجال. فلو كان القرار له علاقة بالإرتباط أو الزواج، فتكثر المشاكل حين يتبع الطرفان المُتحابّان القلب، وباندفاع وتهوّر، يرتبطان! القرار المُتّخذ هو لرسم مسار حياة.

ما حدا نصحك؟

ولا بدّ أن يتروّى الإنسان لإتّخاذ القرار المصيري! فمن منّا لا يسمع بالمقولة التي يبادرون بها أيّ شخص يعلن أنّه يريد أن يتزوّج: “ما حدا نصحك!!” والنصيحة هنا بمثابة دعوة إلى التفكير والعقلنة والإبتعاد عن الإندفاع.

اقرأ أيضاً: الزلزال والدين والعلم – ناجي سعيد

وبطبيعة عملي مع الناس (في المجال الاجتماعي) صادفت الكثير من الأشخاص، حياتهم مُعرقلة، بسبب ارتباطهم العاطفي، أي تزوّجوا “عن حُبّ”. كما يقال، وأنا بالطبع أؤيّد هذا، ولست أوافق أبدًا على الزواج التقليدي المُدبّر من الأهل، فغالبًا ما يكون مصلحة! وهذا أكثر تعقيدًا.

ولكن ليس معناه بأنّ الزواج الذي يأتي بعد قصّة حبّ هو خالٍ من المشاكل أو التعقيدات. فالحياة لا تخلو من صراع بين العاطفة والعقل، وتحديدًا عند مواجهة أي قرار يجب أن يُتّخذ! ومن القصص التي واجهتها، عن إحدى الصديقات، التي عاشت قصّة حُبّ عاصفة. وقد كانت تتسمّر على شبّاك منزلها المواجه لشبّاك الجيران، حيث أحبّت ابن الجيران. كان حُبًّا “قلبيًّا”، لم يأبه لخطوات عقلانية من نتاج العقل.

الاندفاع يرتكب خطأين

وهكذا نرى “الاندفاع”، يرتكب خطأين: الأوّل هو “الحبّ الأعمى”، الذي لا يبصر ولا يهتمّ لتفادي الخطأ الثاني، وهو عدم الاهتمام ببناء القدرات. وتحديدًا قدرات الشباب المُندفع. فالحبّ الذي وقع بين الطرفين، لم يأبه لقدراتٍ لا بدّ من الإهتمام بها، وهذا عدى عن الخطوات العقلية التي يجب أن تكون مدروسة لبناء مؤسسّة عائلية.

وهنا نُدرك أهمّية قول ميخائيل نعيمة: “الشباب ثورة وثروة”. فحين لا نُقدّر “الثورة” ونشذّب ونرتب عملها، نخسر الثروة الشبابيّة. والمقولة هذه، تُلخّص المسار التربوي، الذي ينتهجه مُفكّر مثل نعيمة، بمعنى أن لا يمكن أن نتّخذ منزلاً (لم يُنجز بناؤه) مكانًا للسكن! ومثال آخر من الواقع: عند شراء أي آلة كهربائيّة (برّاد/ تلفاز..). فلا يمكن معرفة تشغيلها دون قراءة كُتيّب التشغيل أو “الكتالوج”. فكيف بالإنسان؟؟ ألا يوجد “كتالوج”؟ وأين هو هذا الكتالوج الذي يُشغّل الإنسان؟ على ما أعتقد أنّ الكتالوج هو العقل، والقلب ليس إلّا آلة تضخّ الدم كما الوقود الذي يحرّك السيّارة.

اقرأ أيضاً: عن يوميات الحزن العادي -ناجي سعيد

القلب هو المُحرّك الذي ينهي حياة الإنسان عند توقّفه. أمّا العقل، فتوقّفه لا ينهِ حياة الإنسان لكنّ تأخّر العقل عن عمله. قد يُنزل من رصيد إنسانيّته ويرمي به في التهلكة لأنّ العقل كدوّاسة الفرامل التي تضبط تهوّر القلب الذي يقود مسرعًا. حتّى لو سلك طريقًا منحدرًا ينتهي بوادٍ سحيق.

وما أعتقده، المسؤليّة هنا تنحصر في القيّمين على التربية ( أهلاً ومدرسة) فالموضوع، هو صراع العقل مع القلب، ولا علاقة للموضوع “بحرّية” فرديّة. فالقرارات تكون إمّا عاطفية أو عقلية!.

ولقد خاض الفلاسفة جدلاً طويلاً حول أنّ الإنسان مُسيّر أم مخيّر! ومن هذا المنطلق، يُبرّر المندفع تسرّع قراراته بتسليمه لفكرة: الإنسان مُسّير. “ومتل ما الله بيريد”. ومن يبتعد عن المسار الديني، تراه يتبع عاطفته وبشكل تلقائي..دون تفكير.

والقرارات العاطفيّة تؤثّر أكثر على المستوى العاطفي في العلاقات الإنسانية، ففي المجال المهني، قد تجد أشخاصًا يصوّبون أخطاء زملائهم في العمل. ولا تتأثّر الشركة أو المؤسّسة. العواطف في العلاقات الإنسانيّة، أيضًا تحتاج “إدارة”!! فقد يستغرب الناس أن العواطف أيضًا تحتاج “إدارة”!!!. وقد طُرحت دورات في هذا المجال حول “إدارة العواطف” يُنظّمها خبراء يعملون في جمعيّات مختصّة.

اقرأ أيضاً: إن كبر ابنك لا تخاويه جرب أن تُصادقه – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى