الرئيسيةرأي وتحليلشباب ومجتمع

الإعدام.. نقتل إنساناً لنخبره ألا يقتل أحداً – ناجي سعيد

الموت هل يصنع العدالة!!

سناك سوري-ناجي سعيد

كانت تجربة مُلفتة مررتٌ بها أثناء وظيفة مؤقّتة، مع الهيئة اللبنانية للحقوق المدنيّة. وقد تعلّمت من هذه التجربة الكثير على المستوى القِيمي الوجداني. وكانت الصدمة التي جعلتني أُفكّر في قانون عقوبة الإعدام، هي الجملة التي كُنّا نستخدمها أثناء إعطاء الحصص التوعوية حول الموضوع: “منُقتل شخص لنقلّه ما تقتل حدا”! وجواب المؤمنين بقانون الإعدام بأن هذه العقوبة هي عبرة يراها الناس فتردعهم عن القتل. بمعنى آخر فالعقوبة تأخذ بهذا الشكل منحى وقائي غير علاجي.

ولو أني من المؤيّدين للمنهج الوقائي بشكل عام، إلاّ أن الأمر هنا يختلف كثيراً، فالإعدام الذي يسري كقانون في 56 دولة لم تُصدر أي إعلان رسمي يشير إلى التزامها بعدم التنفيذ، لا يمكنه أن يردع أحدا عن القتل، فلم يتناقص معدل الجرائم بعد تنفيذ الإعدام. لا بل ينفّذ حكم إعدام، ويليه فورًا جريمة أخرى. والقصور هنا يأتي في المجال التربوي، فعملّية التعلّم التربوية، كي تكون كاملة لا تنبع من منطقة الترهيب والتخويف. الترهيب عملية تأتي من الخارج أمّا “الترغيب” وبشكل أدقّ لُغويًّا يكون المُصطلح “رغبة” داخليّة وليس ترغيبًا من أحد لأحد آخر، ومن الممكن معرفة مستوى وعي الدولة والمجتمعات التي تُقرّ إلغاء عقوبة الإعدام أو حتّى تناضل لأجل ذلك.

عقوبة الإعدام تقتل. تعطينا جثة. هي عقوبة قانونية، لكنها تحكم بالقتل! والموقف منها لا يمكن إلا أن يكون جذرياً. أرفض أن أقتل، أرفض أن أؤيّد القتل، أرفض أن يكون الموت والقتل في القانون وأن تصدر أحكامه باسم الشعب، وأرفض أن تكون دولتي تحكم بالقتل. أوغاريت يونان

 

في زيارة لي إلى السجون ومقابلة المحكومين بالإعدام، قابلت حوالي ثلاثة أشخاص، مالفت نظري ليس تعبيرهم عن الندم حينها الذي لم يكن مجرّد استعراض مجّاني لمشاعر غير مجدية، بل اقترح أحدهم، وقد قتل صديقه بعد فقدانه للسيطرة على نفسه، حيث اقترح أنه مستعد لخدمة عائلة الضحية مدى حياته في محاولة للتكفير عن ذنبه وأن يكون الحكم عليه بالحبس مع العمل في السجن بحيث تكون إيرادات عمله مدى حياته لعائلة الضحية! اقتراح المحكوم بالإعدام لن يعيد صديقه من الموت، لا بل يتبع مبدأ ما يُسمّى “جبر الضرر”. فخسارة الروح لا تُعوّض وهي إمّا عن طريق الخطأ أو اللاوعي وهذا سلوك مرضي، فما قول الوعي والقانون ونظام أي دولة، في حال إقرار قانون الإعدام؟ ألا يصنّف هذا القانون في خانة القتل المُتعمّد المُقونن؟.

اقرأ أيضاً: المواطن المُحاط بالفساد والعنف – ناجي سعيد

وبحسب منظمة العفو: هناك106 دولة لا يسمح فيها القانون باستخدام عقوبة الإعدام. 8 دول لا تسمح بعقوبة الإعدام إلا للجرائم الخطيرة في ظروف استثنائية، كتلك التي ارتكبت في أوقات الحرب. 28 دولة لديها عقوبة الإعدام في القانون، ولكنها لم تنفذها بحق أي شخص لمدة 10 سنوات على الأقل، أو تتبع سياسة رسمية بعدم تنفيذها أو عدم الالتزام بها. 56 دولة تحتفظ بقوانين عقوبة الإعدام وتنفذ عمليات إعدام، أو لم تصدر السلطات إعلاناً رسمياً يشير إلى التزامها بعدم تنفيذها. هذا ولا بدّ من ذكر إنجاز للبنان في الأمم المتحدة، فقد صدر في العام 2007 قرار تجميد عقوبة الإعدام، ومنذ أن بدأ التصويت عليه بالأمم المتحدة في العام 2008، كان لبنان يكتفي بالإمتناع عن التصويت. إلا أنه يوم الأربعاء في 16 كانون الأول 2020 صوت لبنان في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار الخاص “بتجميد تنفيذ أحكام الإعدام”Moratorium on Executions الصادر عام 2007.

“جريمتان لا تصنعان عدالة” (وليد صلَيبي)

 

واللافت انه منذ أكثر من 16 سنة (2004-2020)لم يتمّ تنفيذ أي إعدام في لبنان، وبالتالي هو في حالة تجميد التنفيذ في الواقع moratorium de facto لكن ليس بعد في القانون. لم يكن اتخاذ قرار التصويت سهلاً، وقد ساهمت فيه المناضلة اللاعنفية د. “أوغاريت يونان” مباشرةً بالشراكة مع مناهضي قانون الإعدام في العالم، كما تعاون فيه بشكل مميّز القاضي “جون قزي” وهو عضو في الحملة الوطنية لإلغاء الإعدام التي أطلقها مؤسِّسا جامعة أونور عام 1997 وكان منسقها العام د. “وليد صلَيبي”، وقد انضمت إليها عشرات الجمعيات والأحزاب والنقابات والمجموعات الشبابية ومئات الأفراد.

بالعودة إلى لائحة التصويت في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة فإن: 123 دولة صوّتت مع تجميد العقوبة بينها لبنان، 38 ضد، و24 دولة امتنعت عن التصويت. ولو عدنا أيضاً إلى كوكب الواقع كما يقول الكثيرون عند عرض هذه الفكرة عليهم، لقلتُ لهم كما في البداية، درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج. بمعنى أنّه يجب علينا قبل الندم على القطار الذي فات، أن نركّز جهدنا على تربية جيل جديد لا يؤمن بقاعدة “خود حقّك بإيدك” ! فراعي الأبقار “فياض وابن عمه سمعان” _مسلسل الخربة_ يأتمرون بمزاج وعاطفة أبونمر ليحكم على آل بو قعقور بعاطفته التي قد تقتل وتضرب الآخر، ويحذو حذوه أبو نايف!.

اقرأ أيضاً: عقوبة الإعدام حلٌ أم مُشكلة؟_ ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى