الرئيسيةرأي وتحليل

وليد صليبي الذي ناضل ضد العنف منذ بداية الثمانينيات وحتى يوم رحيله

وليد صليبي.. حين قذفنا البندورة العفنة في وجه السياسيين الفاسدين

للحديث عن وليد صليبي، يجب أن نتذكر كيف استخدم ابن الرومي صورة رائعة لرثاء ابنه الأوسط: “.. فلِلَّه كيفَ اختارَ واسطةَ العِقْدِ”. فمن المعروف أنّ خسارة “الحبّة” المتوسّطة في أي عقد، يشكّل فقدانُها خسارةً كبيرة. فالحبة المُتطرّفة حين تسقط، لا يشعر بسقوطها أحد!. في حين تكمن صلابة “الخرزة” المُتوسّطة، في تمسّكها بموقعها الذي يصعُب انتزاعه، إلاّ بقوّةٍ مخالِفةٍ للطبيعة البشرية اللاعنفية.

سناك سوري-ناجي سعيد

فكيف الحال لو أنّ حبّة الخرز التي خسرناها اليوم، هي “واسطة العقدِ” الذي واجه العنف برمّته، وبأشكاله المُتعدّدة. فإضافةً إلى الطائفية والعنف والسلطة الفاسدة… وقضايا ظالمة، واجهها بصلابة لم يقوَ جسد وليد صليبي على مواجهة مرضٍ فتّاك.

فبعد صمودٍ طويل وتمسّكٍ بابتسامة لا يُستهان بها، نال المرض الخبيث من المناضل الصلب وأنهى فصلاً من تاريخ النضال اللاعنفي. الذي زرعه وليد صليبي مع شريكة عمره ورفيقة دربه أوغاريت يونان.

حين تزور موقع جامعة أونور على الإنترنت، تتعرّف بـ وليد صليبي بشكل رسمي: ..” متخصّص في الاقتصاد السياسي، والعلوم الاجتماعية، والفيزياء، ومهندس مدني (الجامعة اليسوعية في بيروت، الجامعة الأميركية في بيروت، المدرسة الوطنية العليا للاتصالات – باريس، الجامعة اللبنانية، السوربون – باريس).

بدأ نشاطه الثقافي والمدني باكرًا، وقد عُرِف بجرأته في العمل مع الشباب وبفكره الحرّ… وفي العام 1982، التقى أوغاريت يونان. وانطلقا معًا في رحلة حياة ونضال مشتركة، رفيقا درب وحلُم عملا على تجسيده يومًا بيوم وفي ظروفٍ استثنائية، من أجل قيم اللاعنف واللاطائفية والحرّية والعدالة والحب.

اقرأ أيضاً: المناضلة اللاعنفية ومؤسسة جامعة اللاعنف “أوغاريت يونان” في حوار مع سناك سوري عن العنف واللاعنف

مذ ذاك، باتا يُعرَفان بأنّهما من روّاد تجديد المجتمع المدني في لبنان منذ مطلع الثمانينات.” ولكنّك حين تقرّر خوضَ النضال ضدّ كل ما يشكّل ظلمًا وعنفًا على الإنسان. فلا بدّ من أن تلتقي أحد روّاد هذا النضال. فقد شكّل وليد صليبي مع أوغاريت يونان الثنائي الذي يشبه “السيبة”، يسند طرفُها الطرفَ الآخر، في حياتهما الخاصة، وفي الشأن العام.

وليد صليبي وأوغاريت يونان-انترنت

وقد تعرّفت بالثنائي المناضل في بداية التسعينيّات. فما زرعه بداخلي، والدي العصامي، كان مجرّد بذرة اللاعنف، التي شاءت الأقدار أن ألتقي بالثنائي المناضل ليُسَاهِما في ريّها ويحرُصا على تطويرها في مجال “إعداد الذات”.

وهذا التعبير (إعداد الذات) كان من ضمن الخطّة الموضوعة من قِبل الثنائي المناضل في مسيرتهما لإعداد كوادر لاعنفيّة ترافقهم في المسيرة النضاليّة. وتكرّست المسيرة بمشاركة الناشطين في تدريبات مكثّفة لفترة كي يصبحوا بكامل الجهوزيّة لمواجهة ومحاربة قضايا الظلم والعنف والطائفيّة والفساد.

كان وليد صليبي المناضل الحقيقي الذي يتمتّع بروح المرح والإبداع. فقد كان يستقطب الشباب للمشاركة في الحملات من خلال أسماء مبتكرة يطلقها. وتعبّر تلك الأسماء عن أهداف ومبادئ الحملات التي يُطلقها.

شمل

في العام 2009، دُعينا إلى اجتماع مع الدكتور وليد، وقد كنّا خمسة أشخاص ناشطين في قضايا متعلّقة بالشأن العام. وكان قد اختار اسم لحملة جديدة لنضالنا معه، فأخبرنا عن البدء بالنضال من خلال “شمل”! وكان قد صمّم شكل الشعار فنّيًا، وتختصر “شمل”، الأحرف لـ:شباب، مواطنون، لاعنفيون لاطائفيّون.

ولم يدخل اليأس أو الإحباط إلى قلب الدكتور وليد، فبالرغم من تلكّؤ الشباب عن حضور الاجتماعات والتحضير لنشاط أو حراك نضالي. تراه أوّل الحاضرين والمتحمّسين لخلق أفكار إبداعيّة، مع حرصه الشديد على شرح التفاصيل للحاضر بكيفيّة تنفيذ خطوات الحراك.

والفكرة التي أخذت ضجّة إعلاميّة حينها، كانت بأن طبعنا صُور الزعماء السياسيين الفاسدين المستأثرين بمناصب نيابيّة وحكوميّة. على لافتة كبيرة تجمعهم، وحملنا اللافتة في مسيرة إلى ساحة الشهداء، وابتعنا عدّة صناديق من الطماطم المهترئة، ودعونا الناس لقذف السياسيين “بالبندورة”! وقد تحمّس الناس لذلك.

ولا يمكن اعتبار أثر هذا النشاط أثر رمزي يُنسى بعد تنفيذه، لا بل كان سببًا مباشرًا لتحريض الجماهير على فكّ ارتباطهم بتبعيّة عمياء لزعماء فاسدين. أنا شخصيًّا وكما قال أخي عندما أخبرته بوفاة وليد صليبي: “جزء من تشكيل وعينا!”. وليس هذا الوعي مجرّد صدفة غير مدروسة، فقد كانت فترة التسعينيّات هي الذروة في المشاركة بالأنشطة التي وضعت أساسًا لتشكيل الوعي.

اقرأ أيضاً: العناية بالذات ومواجهة الضغط النفسي _ ناجي سعيد

فنادي السينما في مركز “حركة حقوق الناس”، كان مساحة كافية لأتعرّف بأهم الأعمال السينمائية، ومناقشتها مع نخبة مثقّفين. لن أذكر سوى الفيلم الذي يمكنني القول بأنّه “غيّر حياتي”! فقد كنت أعمل في مجال التعليم، وأقرب إلى النظام التربوي التقليدي. مع خجل بتنفيذ الأفكار التربوية الحديثة، إلى أن شاهدت فيلم “جمعية الشعراء المنقرضين dead poets society” للرائع الراحل روبن وليامز. فبدأت رحلتي في التربية بأشكال مختلفة بفضل نادي السينما الذي كان من أهمّ أنشطة “وليد وأوغاريت”.

لا للعنف

وأخيرًا أودّ أن أتوجّه إلى كلّ من يستخفّ هازئًا حين يعلم بأني مؤمن باللاعنف، بأن سؤالهم ورد في كتاب الدكتور وليد “نعم للمقاومة لا للعنف”:

“هل تريدنا أن نواجه الدبّابة والطائرة بالزهرة؟
أريد أن أطرح عليك بدوري سؤالاً: برأيك، ما الذي يخشاه شارون أكثر، زهرة ممانعة في يد الشعب الفلسطيني بأسره، أم قنبلة على وسط بعض الرجال؟”.

وجامعة أنورو (الأكاديميّة العربية للّاعنف وحقوق الإنسان)، كانت نتيجة رحلة نضال توّجاها الثنائي المناضل (صليبي-يونان) بتأسيس أكاديميّة كانت ولا زالت مصدر معرفة وتعمّق بأسس اللاعنف وحقوق الإنسان.

الشعار

ثم إن استمراريّة وانتشار “الجامعة” يجسّدها هذا الشعار المُختار من قِبل المؤسّسين:

هي البذور الرقيقة البيضاء الطائرة في الهواء، ولكنّ شعار الجامعة استعار حركة الزهور الطائرة في الهواء، ووضع حمامات السلام. لتطير في أرجاء العالم العربي هذه المرّة. تلك “الزُهيرات البيضاء” الموحية بالنقاء والصفاء، والمبددة لـ”غمام الهموم” المثقِلة على نفوسنا في “لحظات أمل”، وكأنها تنقلنا إلى عالم آخر من الأحلام، فتبث فينا روح بهجة وفرح ولو لثوانٍ معدودة، هذا الحلم الذي لا يلبث أن ينتهى، فيختفي مع الرياح وكأنه لم يكن، يشبه الغفوة القصيرة التي سرعان ما تستيقظ منها بعد استمتاعك بها للحظاتٍ قليلة. ولكنها تخلّف وراءها شعوراً صافياً بـ”الأمل والتفاؤل”.

ولو كان الأمر بيديّ لسمّيت حمامات السلام تلك: “زُهيرات الأمل”. الصديق المُبدع والمفطّر اللاعنفي “وليد صليبي” لقد تركت أثرًا فينا لا يُمحى ولا يُنسى. فأفكارك وفلفستك لامست ذواتنا، لنتعلّم منك مواجهة طغيانها:
“فيما قد يُستخدم كلّ من اللاعنف والعنف في مواجهة طغيان الآخرين، وحده اللاعنف يستطيع مواجهة طغيان الذات” (وليد صليبي، نعم للمقاومة لا للعنف).

اقرأ أيضاً: الدكتور عاطف.. العنف في اختيار مستقبل الأبناء _ ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى