الرئيسيةرأي وتحليل

الدكتور عاطف.. العنف في اختيار مستقبل الأبناء _ ناجي سعيد

كم دكتور عاطف في حياتنا... عن العنف في اختيار مستقبل أبنائنا

كان حِرص “أبو نمر بو قعقور” شديدًا على عدم إخبار آل “بو مالحة” بأنّ الدكتور “عاطف” الذي تخصّص في “فرنسا” ليس طبيب “قلبية”. بل هو دكتور بيطري! وتندرج المشكلة هنا في خانة “حرّية الاختيار”.

سناك سوري _ ناجي سعيد

كثيراً ما تعلو وتيرة الخصام بين الأهل وابنهم/ابنتهم، عند نهاية المرحلة المدرسيّة، والبدء بالبحث عن الاختصاص المطلوب. والاختيار عبارة عن معركة بين رغبة الإبن وأحلام الأهل.

وأذكر مرة أنني حضرت معرضاً خلال الجامعة. وكان مستغربًا من البعض أنّ الرسّام الذي يعرض أعماله طبيب. ليس مستغربًا بالنسبة لي، أن يكون طبيب وهو رسّام!.

فمن الطبيعي أن يكون “طبيبًا” لتلبية رغبة الأهل!. ولو قمع الشخص رغبته ودفنها لفترة، لا بُدّ لها أن تطفو على سطح التنفيذ. فيصبح “رسّامًا”!! ومن تبعات عدم فسح المجال للابن/ة لاختيار الاختصاص. ما حصل من كذب وادّعاء من قبل آل “بو قعقور” بأن يقصد أحد أفراد العائلة عيادة الدكتور ليمنحه علاجاً مزعوماً. ليثبت للناس أنه دكتور “قلبية” شاطر.

اقرأ أيضاً:أين نحن من التحفيز الذي يدفع الشباب لتحقيق الطموح – ناجي سعيد

هذا الكذب والادّعاء هو تبعات شكليّة، قد تُسبّب التباهي بالمظاهر الكذّابة! وهذا التكاذب أمدُه قصير. أمّا ما لا يُدركه ولا يشعر به “بو نمر”، فهو الشعور بالخيبة جرّاء عدم اختيار الاختصاص لأي ابن/ة. وهذه “الخيبة”، تفتح المدى أمام الكثير من المشكلات النفسية. والسبب الرئيسي لتزايد هذه المشكلات، هو عدم إفساح المجال أمام حرّية الاختصاص.

يرى “أبراهام ماسلو” وهو عالم نفس أميركي. أنه على الرغم من أنّ الحاجة إلى “تحقيق الذات” تأتي في قمّة هرم الاحتياجات ويسبقها حاجات أساسيّة. إلّا أنّ أهمّية “تحقيق الذات” تكمن في إكمال صورة الهرم، وتجسيد القمّة.

اقرأ أيضاً:الشباب المندفع وتحذيرات من خطأين اثنين- ناجي سعيد

تبقى صورة الهرم كاملة دون اقتطاع رأس الهرم. فإذا قمنا باستعارة تشبيه الهرم بالإنسان، لرسمنا إنسانًا بلا رأس في حال مُنع الابن/ة من تحقيق ذاته. وتحقيق ذاته يبدأ من حريّة اختيار الاختصاص.

ولا بد أن يكون اختيار الاختصاص ملائمًا لبُعدين، أحدهما فردي والآخر جماعي. ففي بعض الدول، تقوم الحكومات بتنفيذ برامج توجيهيّة لإرشاد الطلاب في المرحلة الثانويّة. والإرشاد يتضمّن: معرفة الذات بميولها وقدراتها من مهارات ومواهب. “هذا على المستوى الفردي”.

أمّا على المستوى الجماعي فواجب الدولة، أن تضع خطّة تطلب اختصاصات بحسب الحاجة. ومن هنا تعترض “حرّية اختيار الاختصاص” عقبةُ الرغبة مقابل الحاجة. ومواجهة هذه العقبة، تأتي دائمًا على حساب الحرّية الفردية. فالتربية التي تروّض الطفل على القبول والرضوخ، ينتج عنها اختيار الاختصاص الذي يلائم “سوق العمل”. ويصبح كل همّه تأمين لقمة العيش.

ولست أدّعي أنّه يمكن العيش بدون عمل. ولكن، ما يعنيني، هو أنّ ابنتي هي التي اختارت اختصاص “علم النفس”، وكنتُ حريصًا على أن تحقّق ذاتها. وهي التي قرّرت أن تستند على دراستها لعلم النفس، من خلال دمج موهبة الرسم التي لديها، وتخوض تجربة الرسم في عالم التكنولوجيا والديجيتال. فتعمل على تأليف حلقات توعويّة أبطالها شخصيّات كرتونية بمضمون تربوي تقدّم نصائح للآخرين.

لم يخجل الدكتور “عاطف” من اختصاص البيطرة الذي اختاره بنفسه، ففكّر بأن قريته بيئة زراعية تكثر فيها الدواجن. فاختصاص البيطرة كان خيار الابن الأصحّ والأنسب للبيئة. وأفضل من “الآرمة” التي كلّفت “بو نمر” الكثير، فقط ليتباهى أمام “بيت بو مالحة”.

الاختصاص الذي تختاره بنفسك تفخر به وتتطوّر فيه. أمّا خيار الأهل المفروض، فنهايته سلبية بالكذب على النفس وعلى الآخرين.

إن اختيار مستقبل الأبناء بخلاف رغبتهم إنما هو عبارة عن عنف يمارس بحقهم وحجته “الحرص والمحبة” ونتائجه كارثية على مستقبل وشخصية الابن.

اقرأ أيضاً:العناية بالذات ومواجهة الضغط النفسي _ ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى