بين النط والتخدير في مزرعتنا دبابير

بين النط والتخدير في مزرعتنا دبابير
سناك سوري – شعيب أحمد
شاءت الأقدار أن اجتمع “بانورج” راعي الاغنام الشاب اللطيف والفقير في رحلة بحرية مع “دوندونو” التاجر الجشع. وبعد جدال حاد وصل حدّ الشتيمة بين الطرفين، قرر “بانورج” الانتقام من التاجر، وعليه قام بشراء خاروف منه بسعر مرتفع لا يحلم به، فغلّف السرور والغبطة وجه التاجر ورحب بالصفقة الرابحة.
تمت الصفقة، ثم سرعان ما جَدَل “بانورج” قرني خاروفه وسحبه إلى طرف السفينة وبلا تريث قام بقذفه في عرض البحر، تتقاذفه الأمواج وتلعنه الريح، ثم سرعان ما تتابعت الخراف الأخرى واحداً تلو الآخر بالقفز خلف الخاروف الغريق في انقياد مؤمن وراء رفيقهم.
هذه الكوميديا الصادمة لـ “رابلي” تشبه في كثير من تفاصيلها السوداء “عصارة” كل ما هو خبيث وسيء في خبايا العصر “الهونولولي الحديث”، عصر الانقياد الأعمى، أنا أعني (الإكراه في الانقياد).
فكلنا في هذه السنوات المرّة من عمرنا مضطرون للانقياد ومخدرون غصباً عنا، الطالب في هذا البلد المتصلب مكسور ومنقاد لمعمله المترهل، والزوج المتعب والمرهق من الديون منقاد لزوجته، والمرأة المهزوزة من نفسها وممن هم حولها منقادة لهذا المجتمع الشهواني، والمواطن المتعثر بالضرائب منقاد بلا أي حيّل أو قوة للتصفيق لفساد حكومته، والمعارض في الخارج منقاد للصلاة لزعيم حزبه، و دجاجاتي بكل كبريائهن كل صباح يقبّلن مخالب الديك ويكملنّ نهارهنّ خلفه بحثاً عن الرزق بكل سرور.
أيها الصامت خلف شاشتك الصغيرة، لكلٍ منا في هذه السفينة الكبيرة خاروفٌ يتبعه، يكفي أن لهذا المتبوع صوفاً كصوفنا، وقرنين معقودين كقروننا الصغيرة النابتة حتى نُدفع خلفه بلا تفكير.
لكن حين فكّر البعض منّا رفض هذا الانقياد وقرر ألا يغرق خلف خاروف أجرب يجرنا كل يوم للقاع، وجدنا أنفسنا فطرياً مكرهون لسد فمنا بـ”لايك” أو “بوست” أو “كومنت” لمنشور بلا هوية عبر فيسبوك كتبه ذاك الخاروف، لهذا عدنا بشكل أخر في نكوص فطري إلى خواريفنا ففضلنا الغرق من هذه الحياة على النجاة.
عزيزي المنكوص
يصطاد الدبور الجندب النطاط ويضعه في حفرة في الأرض، ثم يخزه في المكان المناسب تماماً حتى يفقد وعيه، ولا يدري الجندب المسكين أنه سيعيش منذ تلك اللحظة كنوع من اللحم المحفوظ لبقية حياته القصيرة. تنتهي مهمة الدبور الذكر هنا، فتضع أنثاه هي الأخرى بيضاً في المكان المناسب من جسد الجندب، ثم تغطي الحفرة وترحل بابتسامة رائقة لتموت ببال مرتاح لمستقبل أولادها. وحين تفقس الدبابير الصغيرة يمكنها أن تتغذى على الجندب المخدّر (الحي الميت) حتى يموت ببطئ ليحيا آخرون.
لابد أن الدبور فعل ذلك بحق الجنادب منذ الأزل، ولازالت تتكرر تلك العملية إلى اليوم ولا يعلم إلا الله متى ستنتهي.
يعلم الدبور أنه إن لم يفعل ذلك بتواتر ستنقرض أمته، لكن ما لا ندريه لماذا لم تستطع تلك الأجيال من الدبابير أن تبتكر طريقة أخرى أقل سوداوية ولؤماً ليستمر جنسها في الحياة. ولماذا ينقاد ذاك الجندب النطاط الأهبل لتقديم الولاء في مزرعة ليست له، وهو يعلم أنه يوماً ما سيتم تخديره حتى يؤكل ببطئ.
عزيزي المواطن المخدّر، ملقحون من غير جنسنا، في لحمنا يفقس بيض ليس بيضنا، مخدرون مثل جندب نطاط، لأن آخرين لا يرتوون إلا من دمنا ولا يسمنوا إلا من أكتافنا، من تعبنا، من إيماننا بهم. لكن إن كان الله قد منحنا هبة (النط) ومنح لهم هبة (الوخز والتخدير)، وشاءت الأقدار أن نحيا سوياً في هذه المزرعة المغلقة، يفضل لنا في أيامنا الأخيرة أن نقول لجندب أحبه الله و نط وهرب : “لا تعد لمزرعتنا، فبين النط والتخدير تذكر أن في مزرعتنا دبابير”.
اقرأ أيضاً سبب مقنع للجوء … شاهر جوهر