الرئيسيةرأي وتحليل

الثورة على المدام فاتن

حق المجتمع وواجب الدولة

سناك سوري – بلال سليطين

وجِدت الوظائف الحكومية على اختلافها من أدناها إلى أعلاها في التسلسل الهرمي الوظيفي من أجل خدمة الناس والسهر على تلبية احتياجاتهم وإدارة شؤونهم بكل احترام للطرفين.
وقد وجدت القوانين والأنظمة لكي تنظم هذا العمل وتدير العلاقة بين المواطن ومؤسساته الحكومية، وهي علاقة للأسف لا يعرفها الكثير من المواطنين ولا يدركها الكثير من الموظفين الحكومين الذين يتعالى الكثير منهم على من يقدمون الخدمة له، بينما يأتي المواطن مستحق الخدمة إلى الكثير من الموظفين وهو يتوسل الحصول على حقوقه وكثيراً ما يهان لكي يحصل عليها.
يرى كثيرون أن المواطن والموظف ضحايا الواقع المعيشي الصعب الذي تعيشه البلاد، ويبرر الكثيرون للموظف أنه يتقاضى راتباً قليلا وظروف عمله صعبة، وبالتالي ينظرون إلى سوء معاملته للمواطن على أنها ردة فعل طبيعية على واقعه وكثيرون أيضاً يقولون لا تستقووا على الموظف وإنما عليكم بالمسؤولين الكبار.
من جهة ما فإن هذه الفكرة تبدو منطقية، لكن منطقها قائم على المفاضلة بين من يتضرر المواطن منهم، وهي تجعلهم في مراتب من حيث درجة الضرر فأصحاب المناصب العليا يتحملون المسؤولية الكبرى وأصحاب المناصب الصغرى يتحملون مسؤوليات أقل تبعاً لدورهم.

اقرأ أيضاً: مدام فاتن تثير إشكالاً والتجارة الداخلية تتبرأ

التفكير بهذه الطريقة وإن وجدت له مبررات هو تفكير يدفع ثمنه في النهاية المواطن، الذي هو ضحية وليس مسبب، فالمواطن ليس مسؤولاً عن سوء الإدارات مثلاً في مؤسسة ما، ومشكلة الموظف مع إدارته أو طريقة دوامه وووإلخ يجب أن يعالجها مع مؤسسته المعنية وليس أن يتنمر على المواطن الذي يراجع دائرته فيرمي عليه كل غضبه وكأن المواطن هو من تسبب بسوء وضع الموظف وليس مواطناً مثله يعاني الأمرين لتأمين قوت يومه ويوزع وقته على طوابير حياته المتعددة “طابور الخبز، الغاز، المازوت، السورية للتجارة، المعونات….. إلخ.
المواطن مثل الزبون في التجارة (وعذراً على التعبير) دائماً على حق، ورضاه غايه يجب أن يسعى لنيلها كل من يعمل في الشأن العام سواء كان موظفاً صغيراً أو مسؤولاً، للأسف لم نعتد نيل حقوقنا كمواطنين باحترام فأصبحنا نعتقد أن حصولنا عليها ولو بقهر وذل هو مكسب أفضل من عدم حصولنا عليها.
سبب حديثنا هذا هو القضية التي عرفت محلياً بقضية “المدام فاتن” التي أساءت إساءة واضحة مع زميلها الموظف لأحد المراجعين الذين جاؤوا إلى مؤسسة حكومية ضمن وقت الدوام الرسمي ليحصل على الخدمة التي يستحقها لكنه قوبل برفض تقديم الخدمة له رغم توسله للحصول عليها وتم الصراخ في وجهه رغم أنه صاحب الحق .
من حسن حظ هذا المواطن أن أحداً ماصور ماتعرض له من إساءة حتى يحصد التعاطف من جهة ويرى أولئك الذين يجلسون خلف حجاب ماذا يحدث بعيداً عن مكاتبهم المغلقة، لكن من سوء حظه أن الموظفة وزميلها تعرضا للإساءة على مواقع التواصل الاجتماعي وتم التنمر عليهما وخصوصاً على السيدة بطريقة أبعد ما تكون عن النقد أو المطالبة بالمحاسبة أو التعاطف مع ضحيتها.

اقرأ أيضاً: أول تعليق من الموظفة فاتن بعد حادثة الإشكال مع مواطن

بالنتيجة تحولت القضية إلى تعاطف مع الموظفة التي تعرضت للتنمر، وبدأت تنسى المشكلة الأساسية المتمثلة في أنها أغلقت باب مؤسسة حكومية خلال الدوام الرسمي في وجه مراجع وأساءت للمراجع بشكل واضح وجلي يستحق تحميل المسؤولية، وبالتالي مساءلتها ليس على السوشل ميديا فقط وإنما ضمن مؤسستها، وأكثر من ذلك يجب أن يكون هناك تحرك حكومي واضح لإيقاف مهزلة إذلال المواطن من قبل الموظفين الموجودين أصلاً لتلبية احتياجاته.

بلا أدنى شك فإنه من حق المجتمع أن يثور على الموظفة وكل مسؤول صغيراً كان أو كبيراً لا يقوم بعمله على أكمل وجه، ولكن لا يحق له التنمر عليها، وكذلك من واجب الدولة محاسبتها وزميلها وليس التعامل مع القضية وكأنها لم تحدث وأنها انتهت عند حدود السوشيل ميديا، أو القول ليس هناك شكوى ضدها فما قامت به تم توثيقه بشكل واضح وعلني وهو بمثابة إخطار للجهات الحكومية لا يحتاج لأي شكوى.
هذا لايعني أن علينا الضغط فقط لمحاسبة الموظف البسيط الذي يخطئ، وإنما علينا الضغط لمحاسبة كل من يخطئ، وعلى كل من يعمل في الشأن العام “سياسي، اقتصادي، ثقافي، خدمي…إلخ” أن يدرك أنه يعمل للخدمة العام وأن رضى المواطن غايته، ومالم يُجبر المواطن كل مسؤول أياً كانت رتبته على إدراك حقيقة أن رضا المواطن واحترامه وخدمته في المقام الأول فإن مسلسل التنكيل وإهانة وإذلال هذا المواطن سوف تستمر طويلاً.

اقرأ أيضاً: عيد الصحافة السورية.. ممنوعة من الموت والحياة- بلال سليطين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى