إعلام من أجل النساءالرئيسيةرأي وتحليل

أزمة التمثيل السياسي في سوريا خلال المرحلة الانتقالية “الفجوة التمثيلية للنساء والشباب”

أنجز هذا البحث فريق وحدة الأبحاث في موقع سناك سوري

تعاني سوريا من أزمة تمثيل سياسي متجذّرة ليست طارئة أو ظرفية، بل تشكّلت على مدى أكثر من قرن كجزء من البنية العميقة للعلاقة بين السلطة والمجتمع. فمن المجالس الشكلية خلال العهد العثماني، إلى الهيمنة الفرنسية على المؤسسات المنتخبة، ثم عسكرة الدولة، فالاحتكار البعثي وما تبعه من احتكار مقابل، ظلّ التمثيل السياسي في سوريا يعاني من التزييف أو التهميش أو الإقصاء، لا سيما بحق النساء والشباب.

عرف السوريات والسوريون خلال هذا المسار ثلاثة أشكال من التمثيل الجزئي: التمثيل المتشابه، حيث تمثّل النساء امرأة فقط بحكم النوع؛ والتمثيل الرمزي، كما في حالة الرئيس السوري خلال المرحلة الانتقالية “أحمد الشرع” الذي يراه جزء من السوريات/ين ممثلًا رمزيًا؛ وأخيرًا التمثيل الاحتجاجي، الذي تجلّى بأوضح صوره في تظاهرات 2011، حين لجأ جزء من السوريات\ين إلى الشارع كوسيلة للتعبير في ظل غياب الآليات التمثيلية.
في المقابل، حُرم أغلب السوريين/ات الشكلين الأكثر أهمية وتمثيلًا للمضمون الحقيقي للعملية السياسية: التمثيل الشكلي الناتج عن انتخابات حرة تتبعها محاسبة، والتمثيل الجوهري الذي يجد فيه المواطنون/ات من ينقل قضاياهم ويمثل مصالحهم داخل مواقع صنع القرار.

ولم تعرف سوريا خلال هذه الحقبة أي انتقال سياسي مدني سلمي ديمقراطي؛ إذ ظلّ التغيير فيها محكومًا بقرارات عسكرية: من انقلابات الأربعينيات والخمسينيات، إلى الوحدة مع مصر، فاستيلاء البعث على السلطة عام 1963، ثم توريث الحكم في عام 2000، وصولًا إلى سقوط النظام في كانون الأول 2024، الذي تمّ كذلك عبر مسار عسكري لا عبر انتقال سياسي منظم أو انتخابات حرة ديمقراطية.

ورغم انهيار نظام الأسد، لم تولد بعد حياة سياسية مدنية، بل تشكّلت سلطة انتقالية منبثقة من الفصائل، دون مشاركة سياسية في هندسة المرحلة المقبلة.
بالمقابل ومع ما أحدثه سقوط النظام من اندفاع سياسي واجتماعي، تُظهر نتائج استبيان أُجري على عينة مكوّنة من 786 مشاركًا ومشاركة من النساء والشباب، أن 82.1% منهم يهتمون بالشأن السياسي خلال المرحلة الانتقالية، إلا أن النسبة الفعلية للمنخرطين في أحزاب أو قوى سياسية لم تتجاوز 4.3% لدى النساء و2.3% لدى الشباب.
كما رصد البحث قرابة 119 تنظيمًا سياسيًا نشطًا، تبيّن أن غالبيتها تفتقر إلى قاعدة شعبية واسعة، ولا تمتلك قيادة جماعية مؤثرة، فيما لم يظهر سوى 30% منها اهتمامًا فعليًا بقضايا النساء، و25% بقضايا الشباب، دون انعكاس واضح لذلك على بنيتها الداخلية. أمّا على الأرض، لم يسجّل لهذه الأحزاب سوى معدل 1.5 نشاطًا معلنًا خلال ستة أشهر، غالبيتها تدريبات نظرية أو لقاءات مغلقة.
يعكس هذا الواقع استمرار القطيعة التاريخية بين الأحزاب والمجتمع، وضعف تجديد الخطاب السياسي، وغياب البيئة الداعمة للانخراط، خاصة لدى النساء والشباب الذين يشعرون غالبًا بالتهميش أو بانعدام الجدوى. ويعزّز هذا الانطباع أن 60% من النساء و52% من الشباب صرّحوا بأن صورة حرية العمل السياسي لا تزال “غير واضحة”، ما يشير إلى استمرار الحذر في التعامل مع المجال العام.
وتُظهر المحطات الانتقالية الرئيسية – مثل مؤتمر النصر، الإعلان الدستوري، الحوار الوطني، تشكيل الحكومة – غيابًا شبه تام لمشاركة كيانات سياسية فاعلة، كما أنّ التمثيل النسائي في عينة من المؤسسات الانتقالية لم يتجاوز 7%.
وتشير البيانات إلى أن 67% من النساء لم يُمثّلن في مؤتمر الحوار الوطني، رغم أهميته المحورية، فيما أعرب 11.7% فقط من الشباب عن شعورهم بأنهم ممثلون بالكامل في الحكومة، و25% بشكل جزئي.

وتُبرز نتائج الاستبيان والمقابلات المعمقة ميل نحو ثلث النساء إلى “التمثيل الذاتي” بوصفه تعبيرًا عن غياب من يمثلهن فعلًا، بينما انعدمت تقريبًا نسبة من يشعرن بتمثيل حزبي حقيقي. وهو ما يعكس غياب التمثيل المؤسسي، ويؤكد أنّ حضور النساء في المؤسسات لا يكفي وحده إن لم يُرافقه اعتراف حقيقي بدورهن ومشاركة فعلية على قدم المساواة.
يقدّم البحث مقارنة نقدية مع تجارب انتقالية أخرى، مثل رواندا، التي رغم ارتفاع تمثيل النساء فيها إلى أكثر من 60%، إلا أنّها لم تحقق حياة ديمقراطية فعلية، بل أنتجت نظامًا سلطويًا مركزيًا، مع تقييد حرية التعبير، رغم التقدّم في مجالات المساواة والتنمية.
وتؤكد المقارنة أنّ الأزمة السياسية في سوريا لا تنبع من غياب التمثيل العددي فحسب، بل من غياب التمثيل الجوهري، بما ينعكس على ثقة المواطنين. وذلك لأنّ ضعف الشعور بالتمثيل يقود إلى اغتراب سياسي، وفقدان الثقة بالمؤسسات، ويزيد من تهميش الفئات الأقل تمثيلًا. كما يؤثر سلبًا على جهود بناء السلام والتنمية، ويدفع بعض الفاعلين نحو الانكفاء أو الانفجار، إما في شكل تمثيل احتجاجي، أو في صورة عزلة مجتمعية قاتلة.
وفي ظل تعذر إجراء انتخابات حرة ونزيهة خلال المرحلة الانتقالية، فإنّ غياب المسار الانتخابي يضع مسؤولية مضاعفة على السلطة الانتقالية والقوى السياسية لإبداع آليات تمثيلية بديلة أكثر عدالة وتشاركية. وإذا لم يتم تصميم مجلس الشعب الانتقالي بطريقة شفافة وتعددية، فهناك خطر جدّي من إعادة إنتاج أنماط التمثيل الفوقي التي عرفتها سوريا سابقًا، كما في تجربة “مجلس المبعوثان” العثماني، حيث كانت نخبة ضيقة تختزل التعدد المجتمعي.
يقدّم البحث جملة من التوصيات العملية المتعلقة بإصلاح التمثيل السياسي خلال المرحلة الانتقالية وإشراك النساء والشباب، مع تركيز خاص على دور الأحزاب ومجلس الشعب الانتقالي، باعتباره محطة حاسمة إما لبدء معالجة أزمة التمثيل أو لتكريسها وتعميق فقدان الثقة، خاصة إذا استمر تغييب النساء والشباب عن المشاركة الفعلية في صياغة مستقبل البلاد.

لقراءة البحث كاملاً اضغط هنا 

زر الذهاب إلى الأعلى