أخر الأخبارالرئيسيةتقارير

حمص تبدأ بمعالجة ظاهرة التسول.. والحاجة لخطة على مستوى سوريا

بحسب التقديرات أعداد المتسولين ازدادت بنسبة 25%

أعلنت محافظة حمص عن إطلاق خطة متكاملة لمعالجة ظاهرة التسوّل التي عادت إلى شوارع المدينة خلال الفترة الأخيرة، مؤكدة أن الظاهرة لم تعد مجرد سلوك فردي عابر، بل نتاج ضغوط اقتصادية واستغلال اجتماعي منظم.

سناك سوري-حمص

وفي بيان رسمي، شددت المحافظة على أن معالجة هذا الملف تأتي في إطار “الحفاظ على كرامة الإنسان وصورة حمص الأصيلة”، مشيرة إلى أن الهدف هو إعادة المدينة إلى سابق عهدها خالية من مشاهد التسول التي بدأت تتزايد في الآونة الأخيرة.

ووفق ما ورد في البيان، فإن مديرية الشؤون الاجتماعية تعمل بالتعاون مع جمعية البر والخدمات الاجتماعية، ومشاركة فاعلة من الجمعيات الأهلية على تنفيذ خطة شاملة تقوم على تقييم الحالات فردياً وتحويل المحتاجين الحقيقيين إلى قنوات دعم ورعاية مناسبة.

إضافة إلى رصد الظاهرة ميدانيا ومتابعتها في مختلف أحياء المدينة، وملاحقة شبكات الاستغلال المنظّم بالتعاون مع الجهات الأمنية المختصة.

والأهم تأمين بدائل معيشية واجتماعية للمحتاجين الحقيقيين، بما يضمن خروجاً تدريجياً وآمناً من دوامة التسول.

ودعت المحافظة المواطنين إلى عدم تقديم المال للمتسوّلين في الشوارع، مشيرة إلى أن هذا السلوك رغم حسن نواياه يساهم في تكريس الظاهرة لا حلها، وبدلاً من ذلك، حثت على توجيه التبرعات والمساعدات عبر الجمعيات الرسمية المرخصة التي تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه.

وختم البيان بالتأكيد على أن “مكافحة التسوّل لا يمكن أن تتحقق بالإجراءات الرسمية فقط، بل تتطلب شراكة أهلية حقيقية وإرادة جماعية لتعزيز العدالة الاجتماعية”.

ارتفاع عدد المتسولين 25%

وسط مؤشرات متزايدة على تفاقم الظاهرة، قدر مصدر مسؤول سابق في “الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان”، أن عدد المتسوّلين في البلاد سجّل ارتفاعاً بنسبة 25٪ خلال الأشهر الماضية، وخاصة في شهر رمضان الفائت، ولفت إلى أن هذا التصاعد كان واضحاً من خلال مشاهدات ميدانية أمام المساجد وأماكن العبادة، وكذلك عند إشارات المرور في شوارع رئيسية بالعاصمة.

وأضاف المصدر الذي لم تذكر القدس العربي اسمه، أن عدد المتسولين في عموم سوريا بلغ العام الفائت نحو 250 ألف شخص، 51.1٪ منهم من الإناث، فيما يُمارس نحو 64.4٪ منهم التسول بشكل “احترافي”، أي بشكل منظّم وممنهج، وليس بدافع الحاجة فقط. كما أشار إلى أن الأطفال يشكلون قرابة 10٪ من المتسولين، أي ما يقارب 25 ألف طفل، ما يسلّط الضوء على جانب بالغ الخطورة من هذه الظاهرة.

من جانبه، أكد مدير الشؤون الاجتماعية والعمل “محمود الخطيب”، أن الوزارة بصدد إطلاق حملة شاملة للحد من التسوّل، بالتعاون مع الجهات الأمنية، بعد أن رصدت زيادة ملحوظة في أعداد المتسولين، خصوصاً في شوارع العاصمة دمشق، مشيراً إلى أن “الكثير منهم يمتهن التسوّل لا بسبب العوز وإنما بدافع الربح والاعتياد”.

الخطيب كشف في حديثه لصحيفة “القدس العربي” عن خطط لتفعيل القانون الخاص بمكافحة التسوّل، بالتوازي مع إعادة تأهيل “دار الكسوة” غرب دمشق، والتي كانت تستخدم سابقاً كسجن، لكنها حالياً غير مهيّأة لاستقبال المتسولين وتأهيلهم.

في السياق ذاته، قالت رئيسة مكتب التسوّل والتشرّد في مديرية شؤون دمشق، “خزامة النجاد”، إن تراجع دور أقسام الشرطة خلال الفترة الماضية ساهم في تفاقم الظاهرة، مشيرة إلى أن التنسيق الأمني بدأ يستأنف بشكل تدريجي للعودة إلى ضبط المتسولين في الشوارع.

في ظل هذا المشهد، تبدو ظاهرة التسول اليوم كأعراض لمرض أعمق يضرب البنية الاجتماعية والاقتصادية في سوريا، فبحسب برنامج الأغذية العالمي، يعاني نحو 12.9 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي عام 2025، بينما لم يتجاوز عدد من تلقوا الدعم خلال العام الماضي حاجز المليوني شخص.

أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فقد رسم صورة أكثر قتامة حين قدّر أن البلاد بحاجة إلى أكثر من 50 عاما لتستعيد مستوى اقتصادها ما قبل الحرب، حتى في حال تحقق نمو قوي ومستدام.

كل ذلك يتقاطع مع واقع مرير فـ90٪ من السوريين باتوا تحت خط الفقر، وثلثهم تقريغبا يرزحون تحت الفقر المدقع.

في ضوء هذه الأرقام، لا تبدو مكافحة التسوّل مجرد إجراء أمني أو اجتماعي، بل جزءاً من معركة طويلة لاستعادة الحد الأدنى من الكرامة والعدالة في بلد أرهقته الأزمات.

زر الذهاب إلى الأعلى