الرئيسيةفن

57 عاماً.. ومايزال الحزن يزهر

لماذا قُدِّر عليّ أن أُولَد بنتًا تُصْلَب على صخرة الانتظار، دون أن يكون لها هي أن تتقدَّم إلى مَن يكون في الانتظار؟

سناك سوري-عمرو مجدح

«لماذا قُدِّر عليّ أن أُولَد بنتًا تُصْلَب على صخرة الانتظار، دون أن يكون لها هي أن تتقدَّم إلى مَن يكون في الانتظار؟»، «كُتب على الأنوثة أن تظلّ قاصرةَ الجناح، مهما شاء مكرُ الرجال إعزازَها والتظاهرَ بتقديمها عليهم في نوافل الأمور!».

بهذه الكلمات تعبر “هالة” بطلة رواية “ثمّ أزهر الحزن” للأديب السوري “فاضل السباعي” عن واقع المرأة السورية في ستينيات القرن الماضي فالرواية التي نشرت عام 1963 تتناول تفاصيل العائلة والبيئة الحلبية (موطن الراوي) وتتطرق لتجربة الوحدة بين سوريا ومصر وانعكاسها على المجتمع حيث ظهرت الشخصية المصرية بشكل بارز في الأحداث من خلال المعلمة “زينب” القادمة من مصر لتستأجر غرفة في بيت العائلة الحلبية.

في مكان آخر من الرواية تقول “هالة” واصفة الدار : «في دارنا العربية صحن وسيع وبركة وليوان. وفي صحن الدار حوض مزهر يوازي حائط الغرفة الكبرى التي كنا نسمّيها بالقاعة. كان أبي، يوم وُلدتْ لـه أختي البكر، قد قام إلى هذا الحوض، وغرس فيه عوداً من الكرمة. ثم انثنى يقول لأمي وهو ينفض التراب عن يديه: – هذه الدالية لصغيرتنا نورة، وغرس، بُعيد ولادة سليمى، شجيرة ياسمين. ثم كان من نصيبي شجيرة ورد. فلما أقبلت رابعة كان الحوض قد ضاق بشجيراته الثلاث الناهدات، فوسّعه وأضاف إليه شجيرة رمان».

اقرأ أيضاً: متى تنشر “كوليت خوري” رسائل نزار قباني؟

يقول الكاتب  “سمر روحي الفيصل” عن وصف هذا المقطع: «لم يكن وصـف الحوض في الرواية هدفاً، بل كان تعبيراً عن وضع الأسرة، مرتبطاً بأفرادها، دالاً عـلى طبيعة حياتها. فهي تنتظر ابناً ذكراً يزرع له الأب شجرة تفاح تدين لها شجيرات البنات بالطاعة. ويبدأ الأب ييأس بعد إنجاب البنت الخامسة، ثم ما يلبث يعتقد بأن ابنه الذكر لن يأتي إلى الدنيا وهو على قيد الحياة. وتتحقّق نبوءته، فيموت قبل ولادة زوجته بعلاء، وتروح (أعراف الشجيرات الخمس تترنح جزعاً)».

ربط الكثير من القراء بين الكاتب “السباعي” وشخصية المحامي “سمير” الذي جمعته في الرواية قصة حب مع البطلة “هالة” وكانت أغلب لقاءاتهما في الحديقة العامة أو المكتبة وكان ذلك أمر يتطلب جرأة من الفتاة في ذلك الزمن ويتراءى إلى القراء هذا الاعتقاد بأن الكاتب هو “المحامي” لأنه درس الحقوق وعاشق للأدب وهذا مايتقاطع مع شخصية “سمير” في الرواية.

في العام 2002 تحولت الرواية إلى مسلسل تلفزيوني بعنوان (البيوت أسرار) من إعداد “رانيا بيطار” وإخراج “علاء الدين كوكش” وقامت بدور “هالة” الممثلة “جيهان عبد العظيم” وبدور “أم علاء” “جيانا عيد” ويعد المسلسل من أهم أعمال البيئة الحلبية لكن الكاتب الذي دخل عقده “التاسع” مازال غير راضي عن بعض التفاصيل في العمل ومنها استبدال عنوان الرواية وكتب قائلا : «عندما حوّلت الرواية إلى مسلسل تلفزيوني أصرّوا على أن يجرّدوها من اسمها المعبّر مستبدلين به اسما تفوح منه رائحة الركاكة: “البيوت أسرار” حرصًا منهم على الحيلولة دون زيادة رواجها!».

اشتهر الكاتب بعناوين روايته وقصصه التي تحمل شيء من “الشجن” نذكر منها “حزن حتى الموت”، الابتسام في الأيام الصعبة” ، الألم على نار هادئة”، “رياح كانون” لكن الأديب الذي يسميه البعض بـ”الأديب المغيب” يطرح تسألا: «هل أنا كاتب محظوظ… في وطني؟».

اقرأ أيضاً: “صبرية” التي امتلكت شجاعة وجبن “الانتحار”.. “دمشق يا بسمة الحزن”

يتذكر الأديب السوري التعليقات على روايته التي تحولت إلى مسلسل لاحقاً، قائلا : «حين صدرت روايتي “ثمّ أزهر الحزن” ، كان لي بالمرصاد في مدينتي حلب ثلاثة من أصدقائي الأدباء: أولهم (ع.ب) عاب على الرواية أنْ ليس فيها اشتراكية ولم تُعجب الثاني (ج.س) الغارق في بحر الوجودية، الخاصة بـ البير كامو تحديدا! والثالث (و.إ) أسقطها من اعتباره لأن ليس فيها حداثة!».

لكن ما حصل لاحقاً أن حازت الرواية على إعجاب القراء، يقول “السباعي”: «فيما بعد ظهر حبّ هذه الرواية عند القراء على اختلاف الأعمار والأجناس والمشارب والأهواء، وأُعِدّت حولها أطروحات ماجستير ودكتوراه وراء الحدود ولن يفوتني القول بأني أحاول – لاستمرار الطلب عليها – أن أقدّم طبعتها الرابعة في الدار التي أنشأتها بدمشق، لكن يعجزني عن ذلك العزلة وبلوغ السنّ».

يذكر أن “السباعي” بدأ في كتابة الرواية عام 1961 ونشرت عام 1963 وكان يبلغ حينها الثلاثين عاما وهذا العام أصبح عمر رواية “ثم أزهر الحزن” 57 عاما، سنوات قليلة وتكمل الستين ومازال الكاتب إلى اليوم يتلقى رسائل من مختلف المحافظات السورية والبلدان العربية والاغتراب وتكتب إليه الفتيات “العشرينيات” وهن يجزمن أنه حين كتب عن “هالة” كان يكتب عنهن، “هالة” تلك الصبية المتجددة التي لن تكبر حتى بعد العيد المئة للرواية.

اقرأ أيضاً: “المصابيح الزرق”.. حكايا الحروب المتشابهة والتاريخ الذي يعيد نفسه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى