الرئيسيةرأي وتحليل

هل يكفي معرض دمشق الدولي لتجاوز آثار الكارثة؟

بقلم أنس جودة – سناك سوري

تابع ملايين السوريين في الداخل والخارج بشغف حفل افتتاح معرض دمشق الدولي الذي شكل برمزيته نقطة علام اجتماعية اقتصادية في مسار الكارثة السورية. فبعد رمزية حلب في المسار العسكري يأتي معرض دمشق الدولي ليعبر عن المرونة والصلابة التي يختزنها السوريون في مورثاتهم، فهم كالسيف الدمشقي صلب في مضمونه خفيف ورشيق في عمله ولا تزيده النار وسنوات الحرب إلا رشاقة وصلابة وإرادة عظيمة للحياة.

ولاينكر هذه المناسبة والسعادة برمزيتها ومعانيها إلا من طغت مشاكله الذاتية ومشاعره الشخصية على مصلحة وطنه العامة،  هذه الرمزية التي تعني أولاً ثبات مؤسسات الدولة التي تشكل رغم ضعف أدائها ومشاكلها الكثيرة الهيكل الذي تتوحد ضمنه البلاد والعامل الأوحد الذي بدونه لايمكن أن تقوم لسوريا قائمة أبداً، كما تعبر هذه الرمزية أيضاً عن إرادة الحياة التي انتقلت بدمشق من مدينة هجرها سكانها وخشي من تبقى فيها التجول في أسواقها الرئيسية بعد السابعة مساءً في بداية الكارثة إلى مدينة تنبض بالحركة والشوق للحياة من أناس بسطاء عانوا بالتأكيد أكثر من غيرهم من ويلات الحرب وتحملوا أغلب نتائجها من تشرد ونزوح وغلاء أسعار وفقر حال ولكنهم رغم ذلك أنفقوا ربما كل ما في جيوبهم من بقايا رواتبهم للظفر بمتعة سيران يشكل علامة فارقة في تاريخ دمشق، يجعلهم يشعرون أنهم بشر طبيعيون يستحقون الحصول على ما يتخيلونه سعادة في أبسط صورها.

ولكن وبعد سنوات من الحرب والدمار قدمنا فيها خيرة الشباب في أتون حرب هائلة وخسرت سوريا فيها الكثير الكثير من عوامل التنمية والقدرة الاقتصادية والبنى التحتية فمن غير المقبول أبداً أن نعود للغة المجاملات ومسلسلات النفاق التلفزيونية ولا يجوز إلا أن نتحدث بكامل الصراحة التي هي أمانة من ضحوا وقدموا وشردوا واختفوا في سبيل إيمانهم بوطن يحققون فيه سعادتهم وإنسانيتهم.
هذه الصراحة تقتضي القول أن المعرض لا يشكل أكثر من رمزية سياسية اقتصادية هامة تحدد بداية مرحلة جديدة نحن بحاجة فيها للكثير من العمل والجهود الجدية للبناء من تحت الصفر، ولكن لا هذا المعرض ولا العشرات مثله ولا مئات الشركات المشاركة قادرة على الاستجابة لمتطلبات النهوض بالواقع الاقتصادي الاجتماعي الذي كان أحد الأسباب الداخلية الرئيسية في اندلاع الازمة.

في أعوام الفورة الاقتصادية قبل الأزمة كانت هناك عشرات المعارض التخصصية التي تقام بجهود المديريات والمؤسسات المسؤولة عنها فقط وربما لايدري بها حتى الوزير المختص، وكنا سعداء بحركة التداول النقدي الكبيرة وبإنشاء المولات ومراكز التسوق وبالأعداد الهائلة من الناس التي ترتادها واعتبرناها مؤشرات على النمو الاقتصادي والتطوير والتحديث في بنية الدولة وغفلنا وقتها عن عشرات القرى التي ضربها الجفاف ولم يسمع بها أحد، ولم نرى على بعد مئات الأمتار من هذه المراكز  أحزمة الفقر التي لايملك سكانها إلا الذهاب إلى “سيران” لهذه الأماكن للتفرج على معروضاتها، وتجاهلنا الكثير من الفساد الذي كان ينخر في بنية الدولة والاحتكار الذي مارسه حيتان المال والأعمال والإنماء غير المتوازن بين المحافظات الغنية بالموارد والفقيرة بالتنمية وبين مراكز المحافظات الكبرى والعاصمة، والضرب الممنهج للصناعة السورية عبر غزو المنتجات الرخيصة للدول المجاورة لأسباب سياسية بحتة، وعوامل كثير أخرى شكلت أسباباً حقيقية للأزمة الاقتصادية الاجتماعية والتي قدمت وعود كثيرة لمعالجتها منذ العام 2005 ولم يتحقق منها شيء.
وصلنا اليوم إلى تجنيد جهود الدولة كلها لإقامة معرض واحد زاد بسببه التقنين الكهربائي على عدة محافظات، وابتعدنا عن سقف وعود الإصلاح التي قدمت في العقد الماضي والمرتبطة بالحالة في ذلك الوقت التي لم تعد تفي بمتطلبات سوريا اليوم حتى من دون حرب فما بالنا بواقع بلاد تخرج اليوم من دمارها ولايوجد على طاولة حكومتها وسلطتها السياسية كخطة للنمو والتعافي إلا أفكار عامة جماهيرية كمعرض دمشق الدولي وقياس الأداء الإداري ونوافذ سيارات المسؤولين.

نحن بحاجة اليوم إلى قرار سياسي من أعلى المستويات باعتماد برامج جدية وعملية للامركزية الإدارية والتنمية المحلية القائمة على التشاركية وذلك بتغيير كامل لعقلية الأداء الحكومي القائم على المركزية والبيروقراطية الشديدة ونقل الصلاحيات الخدمية كلها مع ميزانياتها للوحدات الإدارية واعتماد قانون انتخاب قائم على النسبية يسمح لأوسع طيف من القوى والشخصيات  المجتمعية للدخول في الشأن العام والمشاركة في صنع القرار وتحقيق الرقابة الفعالة على عملية التنمية والتشارك مع القطاع الخاص على المستوى المحلي، كما أننا بحاجة لإعادة بناء كلية للنظام القضائي بما يضمن استقلاليته والثقة فيه عبر سرعة فصل الدعاوى وضمان حقوق الناس بالإضافة لتحديث شامل للنظام التعليمي.

وليس هناك من مهرب من عملية مصالحة ومصارحة جدية يتم فيها مشاركة الألم الذي مررنا به جميعا والاعتراف بخطايانا تجاه بعضنا ومواجهة مشاكلنا وهواجسنا العميقة، فوضع الغبار تحت السجاد لا يعني اختفاءه بل تحوله لنار تحت الرماد قابلة للاشتعال في أي لحظة مؤامرة خارجية.

قد تبدو الصراحة مؤلمة للبعض لكن الواقع الذي نعيشه أكثر إيلاماً فهناك آلاف العائلات التي فقدت معيلها ومئات الآلاف بدون مأوى إنساني وفي ظل فقدان الجزء الأكبر من مواردنا الطبيعية وبقاء نفس عقلية الإدارة والفشل الحكومي والفساد القاتل واحتكار الثروة وعدم قدرة الناس على المشاركة في صنع القرار وبقاء الحصار الإقتصادي فسنعود قطعاً لكارثة أكبر في خلال سنوات قليلة يكون وقودها المحرومون في مخيمات النزوح والذل وعندها لن تبقي الكارثة القادمة من سوريا أي شيء ولايمكن حينها الاعتماد على دعم (الأصدقاء والأشقاء) فالعالم ليس جمعية خيرية ولا يقدم إلا بمقدار ما يأخذ واكثر.

نعم نحن اليوم سعداء بتوقف التدهور الذي أشعلته مؤامرات وأياد خارجية بنت تدخلها على مشاكلنا الداخلية، ونحن سعداء بعودة الدماء والحياة لعروق الوطن الصامد فلنحتفل بهذا ولنشرب نخب الوطن ولكننا لا نملك رفاهية الاحتفال لوقت طويل فلنشمر عن سواعدنا وليكن اليوم أمر وغدا أمر.

سناك سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى