الرئيسيةسناك ساخن

موقف تاريخي لوزير العدل – عارف الشعال

الحقوقي “عارف الشعال” يكتب عن الخلاف الذي حصل بين وزارتي العدل والداخلية

سناك سوري – بوستات

كتب المحامي والخبير الدستوري “عارف الشعال” معلقاً على الخلاف الذي حصل بين وزارتي الداخلية والعدل حول الصلاحيات واستقلالية القضاء، وهذا ماكتبه:

في 21 أيار الماضي قام وزير الداخلية بإصدار ما سماه [أمر إداري] يحمل الرقم /636/ قضى بتشكيل لجنة برئاسة لواء في الشرطة، وعضوية ضابطيّ شرطة وثلاثة قضاة وثلاثة محامين، مهمتها:

(دراسة ومعالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك بين وزارة الداخلية والعدل ونقابة المحامين)

أثار هذا “الأمر الإداري” صدمة وضجة في الأوساط القضائية والقانونية لسببين:

الأول: من حيث الشكل لما فيه من نيل لاستقلال القضاء لأن وزير الداخلية بوصفه أحد أعضاء السلطة التنفيذية أخضع قضاة بصيغة “الأمر” للجنة برئاسة ضابط شرطة! وما يتضمنه ذلك من طغيان على مبدأ “استقلال القضاء” الدستوري.

الثاني: تساؤل كبير عن ماهية القضايا ذات الاهتمام المشترك بين القضاء والشرطة والمحامين، التي ستعالجها هذه اللجنة ولا يستطيع القانون التصدي لها ؟؟

فعلى سبيل المثال إذا رفض رئيس قسم شرطة القصر العدلي تنفيذ أمر المحامي العام، فبدلاً من أن تتخذ الإجراءات القانونية بحق رئيس القسم، يحال الموضوع لهذه اللجنة لدراسته والبتّ فيه!!

لم يتأخر ردّ السيد وزير العدل على هذا “الأمر” حيث أجابه بالكتاب 10392 تاريخ 27 أيار 2018

في الحقيقة كان الجواب حازماً بنقل اعتذار القضاة عن المشاركة بأعمال اللجنة، ووصف “الأمر الإداري” بكل صراحة بالاعورار لما شابه من خلل وزلل أدى لعدم مشاركة السادة القضاة في تنفيذه.

ووضع النقاط على الحروف بعلاقة السلطة التنفيذية بالقضاة وأن:

((القضاة لا يخضعون لأوامر إدارية، حيث أخرجهم الدستور من سلطان السلطة التنفيذية وجعل للسلطة القضائية الحق بإصدار الأحكام والقرارات التي تلزم كافة أفراد السلطة التنفيذية دون استثناء وليس العكس))

وسلط الضوء على علاقة وزير العدل دون غيره بصفته عضو سلطة تنفيذية بالقضاة قائلاً:

((يحق لوزير العدل بصفته رئيس النيابة العامة من الناحية الدستورية حصراً [وليس لغيره من الوزراء] توجيه الكتب لها، وإن بداهة هذه الأحكام في الدستور تغني عن الإسهاب في تفصيلها… وأن قانون السلطة القضائية كيفية مشاركة السادة القضاة في لجان يتمُّ تأليفها من بقرار وزير العدل {وليس أمراً إدارياً} ))

وحدد الإساءة التي تضمنها الأمر الإداري بكل وضوح قائلاً:

إن “الأمر الإداري” المذكور جعل أفراد قوى الأمن الداخلي اللذين هم (مساعدون عدليون) بحكم القانون كونهم من أفراد الضابطة العدلية، متقدمين بالتشريفات على السادة القضاة، مما يشكل جنوحاً لا سابق له في الأعراف والتقاليد وجوهر القانون.

إن السلطة التنفيذية لا ترأس السلطة القضائية ولا يجوز بأي حال القبول بذلك، ونتمسك بالقول المأثور {استقلال القضاء لم يُشرع لينعم به القضاة، وإنما لينعم به المتقاضون}

واستشرف بكل اقتدار مخاطر استحداث مثل هذه اللجنة البدعة قائلاً:

إن مضمون “الأمر” المذكور قد يؤسس لعلاقة جديدة مستحدثة بين السلطة القضائية والضابطة العدلية، مستبدلاً بها قواعد القانون ونصوصه وأوامره التي كانت وستبقى تُشكل المنظومة الطبيعية في كل دول العالم لرسم الأُطر الضابطة لإجراءات التقاضي والمحاكمات والجلسات وعمل كافة المؤسسات القانونية،

فإذا ما كان الهدف دراسة ومعالجة جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك بين وزارتي العدل والداخلية ونقابة المحامين واقتراح الحلول الملائمة لذلك، فإن المادة 18 من قانون السلطة القضائية قد نظمها، إذ تقول:

(يتذاكر المفتشون القضائيون مع ممثلي السلطة التنفيذية لإزالة العقبات التي يلاقيها القضاة وموظفو الدوائر القضائية)

ومن الجلي أن هكذا مذاكرة تكون لتذليل العقبات التي يصادفها السادة القضاة وموظفو الدوائر القضائية.

إن الشكوى على القضاة لها أصول خاصة، تتولاها إدارة التفتيش القضائي ومجلس القضاء الأعلى.

واختتم الكتاب بالتذكير بأصول مشاركة القضاة باللجان المختلفة مع أعضاء السلطة التنفيذية فقال:

((إن تعميم رئاسة مجلس الوزراء رقم 13627/15 تاريخ 23/11/2003 ضبط تشكيل اللجان التي يرأسها القضاة أو يشاركون فيها كأعضاء، إما بوجود نص صريح في القانون يسمي هذه اللجان، أو باستطلاع رأي وزارة العدل، دون طلب تسمية القضاة))

بالمحصلة يصلح لأن يعتبر كتاب السيد وزير العدل هذا، دستوراً في رسم العلاقة بين القضاة والسلطة التنفيذية وآلية مشاركتهم باللجان المختلفة التي تجمعهم مع أفرادها.

وأخيراً لا يسعنا سوى توجيه التحية للسيد وزير العدل على موقفه التاريخي هذا وكلماته التي تُسطّر بحروف من ذهب في الذّود عن استقلال القضاء والوقوف بوجه تغوّل السلطة التنفيذية عليه،

ونتمنى من نقابتنا الكريمة المعنية مباشرة باللجنة المشار إليها، ألا تلتزم الصمت إزاء هذه المخالفة الدستورية الجسيمة، وأن تحذو حذو السيد وزير العدل وتتخذ موقفاً نظيراً له، فالمحامون سدنة القانون، ورخّاً في الدفاع عن استقلال القضاء.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى