الرئيسيةحرية التعتير

كوكو لا تفعلها .. كلبتي لا تسرق

مرحبا أيها الريفيون المحتالون في كل مكان من هذا الكوكب

سناك سوري – شاهر جوهر

منذ القديم حين كان “هوميروس” يمجد البطل بأسلوب ملحمي رفيع في حكاياته، مروراً بآلام “سوفوكليس” وبالإنسان الذي ينتظر المخلّص في نبوءات “كنعان”، وصولاً لبدايات الفكرة النتشوية للإنسان المتفوق، لم يكن أكثر تحايلاً من جارة كجارتي “ن” ومن طفلتها البريئة.

فلدى جارتي المحتالة “ن” طفلة صغيرة هي آخر العنقود، اتفق والداها قبل سبع سنوات على تسميتها “شام”، كل من رآها في الشارع بشعرها النافر وقدميها الحافيتين يستغرب لما لم يطلقوا عليها اسم “سوق الحرامية” مثلاً أو “كفر الدود” أو على الأقل “بيت الجن”.

اقرأ أيضاً: برقية من ديك منتوف الريش – شاهر جوهر

أما “عقلة” وهو صاحب الدكان الوحيد في حينا الريفي، لا يحبذ مناداتها سوى باسم “كورونا”، حتى أني حين أتأخر عليه بسداد الدين يصرخ في الحارة ملء حلقومه بغيض (الله يجعلها كنة إلك)، وقس على ذلك كيف أصبحت “شام” اللطيفة هاجس الجميع.
اليوم وقفت جارتي وابنتها أمام الدكان وقد تندّى أنفها بحبات العرق الصغيرة، ثم زعقت في وجهي بعصبية:
– كوكو سرقت شحاطة ابنتي الزنوبة ذات الإصبع يا جار
– ما الدليل أنها كوكو يا جارتي الحنونة؟
صاحت الطفلة “شام” بجانب والدتها بصوت عالي:
– لقد وجدتُ فردة الزنوبة الأخرى قرب منزلك
صحتُ بحزن:
– كوكو لا تسرق، كلبتي لا تفعلها
ردت الطفلة:
– بل فعلتها
قلت:
– لربما كلب الجيران من فعلها، فالجوع كافر يا سيدة. إن كانت شيوخ القرية باتت تأخذ تبرعات المسجد لا عتب على الكلاب، الجوع طال الجميع، فلا تلومي كلاب الحي.
ردت جارتي بحدّة:
– بل كلبتك من فعلها، وهل سأظلمها يعني؟!
كررت الطفلة:
– هل سنظلمك يعني؟!
قلت معتذراً:
– بما أنكِ واثقة التمسي لها عذراً
فغر فم جارتي وشهقت بلوعة:
– هل أنا كلبة؟!
– من قال ذلك؟
– أنتْ قلت
– متى؟
– الآن قلت أني كلبة
صاحت الطفلة من جديد:
– قلت عن أمي كلبة أنا سمعتك
– أنتِ لا تتدخلي يا كورونا .. أما أنتِ يا جارتي يبدو أن الكلام التبس على سمعك وفهمتي ما قلته بطريقة خاطئة
فغرت الجارة من جديد بحرقة:
– أنا فاجرة؟!
أردفت طفلتها:
– أمي فاجرة!!
– قلت إنكِ فهمتي ما قلته بطريقة خاطئة

اقرأ أيضاً: في هذا الشرق… بعض الظن إثم – شاهر جوهر

حوّلتْ جارتي عيناها الدامعتان نحو “عقلة”:
– هل سمعت ماذا يقول جارك المحترم عني يا عقلة؟! يقول إني كلبة وفاجرة، أنا جارته وقريبته، قل إن كلبتك سرقت الزنوبة التي اشتريتها بستة آلاف ليرة وانتهى الأمر لكن لا تنكر و تتطاول على من هم أكبر منك سناً وقدراً، تكذّبني وتصدّق كلبة.
ثم ناحت الجارة نواحاً سخياً:
– ألا يكفي أنهم طردوا ابنتي من التدريس، فتأتي كلبتك لتسرق حذاء ابنتي.
رد عقلة محاولاً بصعوبة ستر ضحكته:
– هل طردوا “هنادي” من المدرسة؟
– نعم
– لماذا، إنها شريرة وقاسية ومرعبة فهل سيجدون من هي أفضل منها لتربي هذا الجيل المتوحش؟!
– قل لمديرية التربية هذا الكلام اللطيف، إن هذا ما يؤلمني..
وفي مواساة انهال عقلة في تأنيبي:
– سنقوم بمصالحتكما (وقد أشار إلي بنظرة فيها شيء من قرف) أنت يا وجه الديك انطلق واشتري حذاء زنوبة بدل الذي سرقته كلبتك، وفي طريقك قم بشراء طيري دجاج واصنع غداء لجارتك ثمن الإهانة، وأنتِ أيتها الجارة المشؤمة بعد تناولك الغداء في منزل جارك نكون قد أصلحنا ذات بينكما وكفى الملحدين شر القتال.
ثم نظر إليّ نظرة ماكرة:
– وأنا طبعاً لا أحتاج لعزيمة فأنا من أصحاب البيت
كفكفت الجارة دموعها ثم قالت لـ “عقلة” وهي تشهق:
– ليصنع الدجاجات دعيكة على برغل وقل له أن يكثر من المرق
عقلة: اصنعها دعيكة
شام: نعم دعيكة أطيب
جارتي: وليكثر من المرق
عقلة: وأكثر من المرق
جارتي: وأخبره ألا يقوم بعزيمة سلفتي حمدة
عقلة: ولا تقم بعزيمة سلفتها حمدة فكلاهما مثل الشحم والنار
جارتي: وأخبره ألا تكثر زوجته من الملح على الطعام فأنا أعاني من الضغط
عقلة: هل سمعت إنها مضغوطة
شام: أريد لون الزنوبة أحمر، وأريد كولا بعد الغداء
جارتي: بيبسي، أريد بيبسي
شام: نريد بيبسي

اقرأ أيضاً: زوجتي ستحلبني إن عدت بلا “البقرة”.. كله من “ترامب”!-شاهر جوهر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى