الرئيسيةرأي وتحليل

كل سوري مشروعُ مدان حتى وهو جنين في بطن أمه – أيهم محمود

هل حقاً لم يعد الاسم جريمة في سوريا بعد "ذلك اليوم"؟

سناك سوري-أيهم محمود

عنونت صحيفة البعث مقالتها المنشورة بتاريخ ٧-٦-٢٠٢١على موقعها الالكتروني كالتالي: “الاسم ليس جريمة بعد اليوم.. وزارة العدل تنهي عقوداً من معضلة “تشابه الأسماء”.

لم تكن افتتاحية المقالة أقل زخماً وأهمية من عنوانها فبدأت سطرها الأول بهذه الكلمات: “أن تصل متأخراً خيرٌ من أن لا تصل أبداً؛ فبعد عقود من الانتظار، بات بالإمكان الاطمئنان لعدم تجريم أي شخص بتهمة الاسم! حيث شكلت الأسماء المتشابهة عامل قلق دائم لأصحابها الذين اتجه قسم منهم لتغيير اسمه هرباً من هذه الورطة”.

ليس لدينا أي تعليق سلبي على ماورد في نص التعميم أو في نص مقالة البعث، التي تناولت التعميم كمضمون لها، التعميم حتماً هو خطوة مهمة في الطريق الصحيح لكن هل حقاً مشكلتنا هذه تنبع من قرارات حكومية سابقة، تم تصحيحها بواسطة التعميم الأخير؟ أم هي نتاج ثقافة السوريين جميعاً في كامل مناحي حياتهم والتي يصعب أن يوقفها تعميم مهما كان حازماً في نيةِ إيقاف هذه الممارسات الشائعة؟.

سأبدأ بما جرى معي في الأيام الثلاثة الماضية ثم أمضي في مقالتي قُدماً نحو مناطق أبعد من الحدث الشخصي، محاولاً البرهان على أن القضية قضيةُ ثقافةٍ عامة، وقضيةُ مجتمعٍ يعاني من أمراض مزمنة يجب معالجتها لكي نستطيع أن نحيا بعيداً عن ثقافة الشك وثقافة التخوين.

في معاملةٍ روتينية للحصول على براءة ذمة من جباة مجلس مدينة اللاذقية من أجل عقد أجار بيني وبين صهري، وبعد الوصول إلى الحاسب خرجت ورقة فيها اسم صهري الثنائي مع قائمة طويلة بمبالغ يجب دفعها من تاريخ ٢٠٠٥ حتى السنة الحالية، في تجربة سابقة دفعت مبلغ ٤٠٠٠ ل.س عن شخص آخر لكي لا تتوقف معاملتي فأخسر يوماً أو يومين وربما أكثر في محاولة نفي تهمة التهرب من دفع المال المتوجب عليي، لكن هذه المرة المبلغ كبير.

تَفَهّم كثير من الجباة مشكلتي لكن في الإدارة تم توقيف معاملتي وطُلب مني إثبات أن هذا الاسم الثنائي ليس هو اسم صهري، لا ألوم إدارة الجباة فهم ينفذون القوانين حرفياً، ذهبت للقسم الذي يقوم بإرسال التكاليف لهم، هم أيضاً لا يملكون اسماً ثلاثياً للمكلف بدفع المبلغ، بعد ست ساعات من الدوران بشكل عبثيي بين الأقسام توصلنا إلى كتاب نقابة الأطباء للاستفسار، أجابت النقابة أن صهري الدكتور لا يملك عيادة في المكان الذي تتوجب فيه المبالغ المذكورة، في الواقع اسمه وكنيته شائعتان جداً في مجتمعنا السوري وأنا أعرف فعلا دكتور ثالث بنفس الاسم وفي نقابة الأطباء أخبروني باسم آخر يختلف باسم الأب والأم وأظن أنه اسمٌ رابع، هم جميعاً يملكون ذات المهنة، إذاً المشكلة ليست مشكلة وزارة العدل فقط التي تفضلت مشكورة باتخاذ مبادرة هامة وجريئة نتمنى أن تتكرر في الوزارات والإدارات الأخرى، ومع ذلك مشكلتنا ما زالت أعمق من إصدار قرار ومن إصدار تعميم.

اقرأ أيضاً: عن الجنس والعلاقة الحميمية.. أيهم محمود

المجتمع السوري بشكل عام يعيش حالة من الظن الدائم بأن أي إنسان هو شخص سيء يجب عليه إثبات براءته من ظنوننا بشكلٍ دائم، توجد أحكام قطعية تطال مكونات اجتماعية بأكملها بتهم جاهزة، توجد أيضاً محاولة شعبية عامة لنفي تهم الفساد عن النفس وإلصاقها بالإدارات الحكومية فقط، الشك يطال حتى بنية الأسرة الواحدة أحياناً، يصبح إثبات البراءة مضنياً ومزعجاً.

في عدة معاملات سابقة حاول كثيرٌ من الموظفين الخروج خارج صندوق القواعد الصارمة ومساعدتي عبر البحث عن فرقٍ يمكن الاعتماد عليه لنفي وجوب المبالغ المالية عن المعاملة التي أجريها، وخاصة بعد أن قمت بدفع كل الرسوم المتوجبة عليها، البعض الآخر يخاف ومعه حق، لأنه هو أيضا سيتعرض للتخوين والاتهام بتهم تمس نزاهته في العمل إن اتخذ قراراً بعدم عرقلة المعاملة وكان صاحب المعاملة كاذباً.

من يعمل يخطئ أحياناً وبدل أن نكافئه لأنه يعمل ننسى تاريخه الطويل الجيد ونظن به الظنون السيئة، لذلك يفضل الكثير من الموظفين إزعاج الناس وتعطيل معاملاتهم بدل أن يسمعوا هم ولو كلمة تأنيب في غير محلها، هي ثقافة التخوين والشك مرة أخرى التي تعطل معظم مرونة حياتنا وتُدخلنا في إجراءات بيروقراطية طويلة مُعطلِة لقواعد التعامل الرقمي الذي مازلنا متأخرين فيه عن الكثير من دول العالم.

لا أنكر أن الاسم الثنائي يفتح للبعض باباً للابتزاز، لكن وعلى العكس من توقع الكثيرين عما يمكن أن أقوله هنا، كان عدد المبادرين لمساعدتي وبلطفٍ بالغ أكبر بكثير ممن حاولوا استغلال وجود الأسماء الثنائية لغاية سيئة، هذا يعول عليه في أي حوارات علنية قادمة، ومكاشفات أصبح من الضروري إجراؤها بين جميع السوريين لتجاوز هذا الداء الذي استنزف الكثير من طاقات مجتمعنا.

بعض الحلول هي أيضاً رقمية، أحد المفارقات البسيطة التي جرت معي في عقد الايجار: طلبُ آخر فاتورة مياه وآخر فاتورة هاتف، عندما أخبرتهم أني أدفع الفواتير عن طريق البنك طلبوا مني براءة ذمة، بالرغم أن قضية الحصول عليها استغرقت ساعتين وهو ليس بالزمن الطويل، لكن لنتفهم معاً مسألة الوقت وقيمته، وحجم الوقود المصروف للانتقال من مكان إلى آخر، وعدد الموظفين الذين يجب أن يكونوا موجودين لاستقبالي، وعدد الأوراق التي يجب طباعتها، ولنقارن هذا كله بإمكانية منح الجهة الحكومية الأخرى حق الوصول إلى بيانات الكهرباء والماء للتأكد من دفع الفاتورة، طالما أستطيع أنا الوصول إليها كفرد فمن المنطقي أن تستطيع كل إدارات الدولة الوصول إليها.

اقرأ أيضاً: العلم تمرد وإبداع فلماذا حروب الأهالي؟ – أيهم محمود

ضعف التشبيك الرقمي بين الإدارات المختلفة يقلص كثيراً فوائد الأتمتة والعمليات الرقمية الموضعية، مازلنا نفكر في أنظمة إدارة مستقلة مفككة بينما هي في الواقع قاعدة بيانات واحدة متكاملة، عندما أدخل إلى مركز حكومي يجب أن يصل هذا المركز إلى كافة بياناتي اللازمة له لإنجاز معاملاتي عندها نستطيع حقاً توفير أرقام هائلة من المال والوقود والزمن المهدور في الدوران في حلقات مفرغة، دون ثقة متبادلة بين السوريين، ودون كفاءة استخدام التقنيات الحديثة لن نصل إلى أي مكان، ستكون تجاربنا مجرد نقاط مضيئة متباعدة وغير متناغمة لا تصنع نهاراً نصبوا إليه بعد عتمةٍ طويلة أدمت قلوبنا.

لن يهرب أي مواطن من مبلغٍ مالي، إن فات إدارةٌ ما تحصيله هنا لا مشكلة إن تم تشبيك جميع الإدارات ببعضها البعض، ربما لم يدفعه في الاجراء لكنه سيدفعه لاحقاً في إجراء آخر، يجب الخروج من عقلية أن هذا الإنسان عدو يجب ضبطه الآن إلى عقلية أنه هنا دائما معنا، هذه بلده، تأخر قليلاً؟ حسناً سيدفع غرامة لا يشكل هذا الأمر مشكلة كبيرة، المشكلة هي أن نضيّع وقته ووقتنا ببيانات غير دقيقة وغير متكاملة، إن طلب إجراءً سريعاً مع تعهد لاحق بدفع ما عليه إن أثبتنا بالاسم الثلاثي أنه هو، ما المشكلة في هذا الإجراء؟.

ربط أرقام العقارات مع الأرقام الوطنية لشاغليها ومستخدميها سوف يمنع أي لبس وأي سوء تقدير، في النهاية تعطيل مصالح الناس وإضاعة وقتهم له قيمة سلبية تبلغ عشرات أضعاف قيمة المال الذي نجبيه منهم، والمجتمع كله هو الخاسر هنا، الدولة والإدارات والأفراد ليسوا من عوالم مختلفة، بل هم مركبٌ واحد إما أن يصل بكله إلى بر الأمان أو يغرق بأكمله، لا يوجد أي فصل بين كل هذه الأجزاء إلا في مخيلةٍ يجب علينا جميعاً مراجعتها بعمق وحكمة قبل فوات الأوان.

اقرأ أيضاً: غير مرغوب بها.. خطرة على استقرار زواج الإنجاب! – أيهم محمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى