الرئيسيةرأي وتحليل

قريباً السيارات الثمينة في العالم إلى الصهر – أيهم محمود

خدعة جديدة أوقعت الطامعين بالرفاهية في الفخ

على الرصيف الطويل أمام موقع سكني، تمتد السيارات التي تحتل أرصفة المشاة، الموقف الطولي أصبح موقفاً عرضياً يمنع مرور معظم المارة على الرصيف، يبالغ البعض في خوفه على سيارته الغالية على قلبه، فيحتل كامل مساحة رصيف المشاة.

سناك سوري – أيهم محمود

ليس هذا المشهد استثناءاً في الحي الذي أقطنه، أو في بقية أحياء مدينتي، أو في بقية المدن، أصبح من الطبيعي أن تشاهد أطفال المدارس يمشون في الشارع يعرضون أنفسهم لخطر السيارات المارة فيه، لعدم وجود مكان مخصص لهم على رصيف المشاة، “يمكن تعويض الطفل إن مات بإنجاب غيره وخاصةً إن كان من أطفال الآخرين لكن بالتأكيد لا يمكن شراء سيارة للرفاهية كل يوم”!، من يمكنه ذلك لا يهتم كثيراً بمن يموت وبمن يحيا، لديه قضايا أهم من الموت والحياة بكثير، المال الذي يمكن جمعه في حياةٍ قصيرةٍ واحدة.

الجميع هنا متحدون فوق الرصيف على اختلاف مشاربهم الاجتماعية والفكرية، على اختلاف توجهاتهم السياسية، يتحدثون عن عظمة الغرب وحقوق الإنسان فيه، أو يشتمونه بوصفه مكاناً لظلم الإنسان واستغلاله، ملحدون ومؤمنون ومن كافة الألوان والأطياف المذاهب الفكرية والسياسة، وحدتهم السيارة الغالية على قلوب السوريين والتي تسببت عبر تاريخ استخدامها في سوريا باخضاع الإرادات عندما كانت امتيازاً في الوظائف الرسمية، السيارة تعني الرفاهية، والأهم من الرفاهية وهم التمييز والانقسام بين من يضع سيارته فوق الرصيف وبين من يضطر للمشي في الشارع بين السيارات نظراً لامتلاء المكان المخصص لها بالفولاذ وبقية اللدائن والمعادن.

اقرأ أيضاً: علاقة السوريين بالجلدة قضّت على آمالي بالصمود – أيهم محمود

هل هذا موضوع مقالنا : لا!.

موضوعنا مختلف قليلاً لكن هذه المقدمة ضرورية لفهم الآثار النفسية القاسية، التي ستترسب في نفوس الكثير من السوريين عندما يبيعون سياراتهم الثمينة بثمن بخس من أجل صهرها في معامل تصنيع الحديد.

شعر الكثير من مواطني منطقة الشرق الأوسط بالفخر الحضاري، لأن بلادهم انتقلت إلى مرحلة التصنيع الثقيل، صناعة السيارات مثل الدول المتطورة المتقدمة، انتهى زمن الفروق الحضارية الكبيرة بين دول العالم، مرحباً بعصر الرفاهية للجميع، وكأن معظم هذه الدول تصنع السيارات فعلاً ولا تكتفي بتجميعها أو تجميع معظمها، مع وجوب التنويه إلى أن عملية تصنيع السيارة نفسها ليست عالية التقنية مثل تصنيع معالجات الحواسب أو الأدوات الرقمية المختلفة.

لماذا سمح الغرب الذي احتكر هذه الصناعة لعقود طويلة بانتشارها في كل بلدان العالم؟، الجواب بسيط:لأنها في نهاية حياتها العملية.

أصبح المستقبل ملكاً للسيارات العاملة بأنواع طاقات تختلف عن طاقة الوقود الحالي الذي نعرفه، الطاقة الكهربائية هي المسيطرة حالياً، بعض الدول حددت سقفاً زمنياً ليس بالبعيد بل في القريب المنظور لانتقالٍ كامل إلى عصر السيارات الكهربائية، سترتفع أسعار النفط سواء نتيجة تناقص إنتاجه أو نتيجة القيود البيئية المتزايدة عليه لتبقى أحلام الشرق بالتصنيع (الثقيل) على شكل مصانع مهجورة لا يرغب بها أحد.

سوف يصبح تشغيل السيارات العاملة بالوقود التقليدي باهظ الكلفة، مع تراجع تصنيع وتوريد قطع الغيار ومع تزايد أعطال النموذج القديم للنقل، حتى الآن لا توفر الطاقات البديلة قدرةً تكفي أعداد كبيرة من البشر، سيتغير بالتأكيد مشهد الرفاهية الاستهلاكية الوهمية وخاصةً مع تصاعد أزمة الغذاء في العالم، قد تبقى السيارات في مكانها لتصهرها الطبيعة تدريجياً ويزول أصحابها بفعل أزمات الغذاء والحروب المرافقة لها، لا أتحدث عن المستقبل البعيد بل على القريب منه، قد لا أشهده على المستوى الشخصي وأنا في العقد السادس من عمري، لكن أولادنا وليس أحفادهم سيشاهدونه بالتأكيد.

اقرأ أيضاً: عندما يفوتُ الطالب فهم الدرس – أيهم محمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى