الرئيسيةرأي وتحليل

سجن ستانفورد: اختبار عالمي جديد – أيهم محمود

هل تتجرأ الجهات العلمية على إعداد الدراسات المقارنة الموجودة بالنص؟

سناك سوري-أيهم محمود

أُجريتْ تجربة سجن ستانفورد في آب ١٩٧١ تحت إشراف فريق من الباحثين من جامعة ستانفورد، قام بأداء دور الحراس والسجناء متطوعون في بناء يحاكي السجن تماماً، إلا أن التجربة سرعان ما تجاوزت حدود السيطرة وتم إيقافها باكراً.

قامت البحرية الأمريكية بتمويل هذه الدراسة لفهم الصراعات في نظام السجن عندها، شارك في الدراسة طلاب في المرحلة الجامعية لقاء أجر مادي وكان الاتفاق أن تستمر تجربة محاكاة السجن مدة أسبوعين، تم تقسيم المجموعة عشوائياً إلى سجناء وسجانين.

خرجت التجربة عن السيطرة بشكل سريع، عانى السجناء واحتملوا ممارسات سادية ومهينة على أيدي الحراس الذين تبرعوا بالعمل ساعات إضافية للقضاء على تمرد السجناء دون طلب من المشرفين.

سرعان ما تحول السجن إلى مكان منفر وغير صحي، صار الدخول إلى الحمامات امتيازاً قد يحرم منه السجين، أجبر بعض السجناء على تنظيف المراحيض بأيديهم المجردة، أجبر السجناء أيضاً على النوم عراة على البلاط، تم حرمان بعضهم من الطعام كوسيلة للعقاب، تعرضوا للتحرش الجنسي والإذلال من قبل السجانين.

لايمكن اختصار تجربة سجن ستانفورد في بضع سطور لذلك أنصح القراء بالعودة إلى المصادر المتنوعة عنها -مثل موقع ويكيبيديا الذي اقتبست منه بتصرف المعلومات السابقة-، للإطلاع على هذه التجربة الإنسانية الهامة وخاصة أننا نعاني في منطقتنا من تضخم غير عقلاني لظروف هذه التجربة قبل أن تغزو بذور هذه اللاعقلانية مناطق العالم مع بدء ظهور فيروس كورونا.

حذفت من صفحتي في الفيسبوك مع بداية محاولة الإغلاق في سوريا عدداً ممن أعرفهم شخصياً وليس افتراضياً عندما طالبوا على صفحاتهم بسجنٍ طويل لمن يخرق حظر التجوال ثم قرأت على صفحات أخرى ما هو أخطر من السجن بكثير، مطالبات بإطلاق النار على من يخرج من منزله!، حين يبدأ جنون البشر لا يمكن إيقافه بسهولة، في تجربة جامعة ستانفورد بدأ زملاء الجامعة بإهانة وتعرية وإذلال زملائهم في التجربة لمجرد أنهم تقمصوا شخصية السجان فكيف لو كان السجان يعتقد أنه يحمي البلاد، أو يحمي المجتمع، أو يحمي ربما الكون بأسره من سلوك بقية البشر؟، يمكنكم الآن تخيل المدى الذي يمكن أن تصل إليه رغبة العنف المتأصلة في نفوس البشر.

اقرأ أيضاً: هل تكليف سيدة برئاسة حكومة تونس انتصار للمرأة – أيهم محمود

في سوريا المتعبة من الحرب لم تكن هناك فرصة عملية لتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي أو تطبيق حظر التجوال ومع ذلك بقيت الإصابات ضمن المعدل العالمي العام، وبقي نظامنا الصحي متماسكاً وقوياً وقادراً على استيعاب ذروة عدة موجات متتالية لفيروس كورونا، أتحدث معتمداً على المعلومات العامة التي نتبادلها كأفراد وعلى البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة، هذه نقطة تستحق التوقف وتستحق أن تثير شهية المختصين لإجراء عشرات الدراسات المقارنة بين نسبة الوفيات في بلدان طبقت الإغلاق الصارم وبين بلدان لم تسمح ظروفها الاجتماعية أو الإقتصادية بتطبيقه.

لم يتوجه المختصون إلى هذا الخيار بل وجدنا أن البعض منهم تقمص شخصية السجان في تجربة ستانفورد، أو شخصية رجل الدين الذي يعد الآخرين بالعذاب والعقاب إن لم يطيعوا ما يؤمن به ويريد فرضه على بقية الضالين من البشر، شاهدنا هذا السلوك الإنساني العام أيضاً في إيطاليا عندما صور الإعلام وجود الشاحنات المليئة بجثث المتوفين بالمرض والأطباء الذين انهاروا بالبكاء مع اضطرارهم إلى اختيار من يحيا ومن يموت بناء على معطيات عمره وصحته وتوقع إمكانية نجاته فعلاً، عانى أطباؤنا بالتأكيد من ظروف مماثلة في فترة ذروة الإصابات واضطروا حتماً إلى اتخاذ قرارات صعبة إنسانياً، لكن لم نرّ هنا شاحنات مليئة بالجثث ولا دور إيواء مات نزلاؤها في ظروف غامضة كما حدث في اسبانيا، فهل يحق لنا أن نأمل بإجراء دراسة حقيقية مقارنة بين الوفيات في ألمانيا كمثال والوفيات في سوريا؟ أم هناك ما يمنع عالمياً -وليس محلياً بالتأكيد- من إجراء مثل هذه الدراسات؟.

كورونا هدية السياسيين الأجمل في هذا القرن، مظاهرات السترات الصفراء في فرنسا، صعود اليمين في أوروبا، أزمات الطاقة المنتشرة في كل مكان مع اقتراب عصر نضوب النفط، فقاعات اقتصادية تنفجر بشكل متتابع، احترار عالمي، موجات جفاف، جوع وحروب، فشِلَ النظام العالمي في إدارة هذه الكوارث المتلاحقة فأتى الشهم متناهي الصغر كورونا بسرعة لإنقاذهم، ليس سهلاً على الأنظمة الأوروبية أن تسحب امتيازات الديمقراطية وحرية الرأي من مواطنيها فجأة.

لذلك كان فيروس كورونا سجن ستانفورد الجديد حيث رأينا مطالبات عالمية بمنع المعارضين لإجراءات الحجر -وبعدها منع معارضي لقاح كورونا- من النشر في الانترنت عبر حذف منشوراتهم التي لا تتوافق مع قواعد وتعاليم الدين الجديد!، بل ذهب البعض إلى ضرورة محاكمة من ينشر ما يخالف رأيهم النهائي الذي لا يقبل الجدل أو النقض والذي يذكرني بالقناعات العلمية القطعية لمن حاكم غاليلو، شارك في نشر وتعميم هذا السلوك مختصين في المجال الصحي حيث تحولوا إلى حالة السجانين في تجربة ستانفورد.

اقرأ أيضاً: الوباء الطائفي نفسه في صيغةٍ عكسية – أيهم محمود

لا أحد على الاطلاق يجرؤ على نشر دراسات مقارنة عالمية بين نسبة الإصابات ونسب الوفيات في الدول التي طبقت الحجر والدول التي لم تطبقه، القضية لا تتعلق فقط بحجم مبيعات اللقاحات وبقية الأدوية، بل تتعلق أيضاً بتهيئة الشعوب لعصر الانهيار العالمي الكبير وضرورات السيطرة على البشر، القضية أكبر بكثير من مئات المليارات من الدولارت، يوجد لدينا نُظم سياسية تخجل من التعري والعودة إلى عصور القمع المظلمة، ومن يظن أني سافرتُ بعيداً في خيالي فليبحث جيداً عن المقالات الأوروبية الجديدة التي تتحدث عن فوائد لحوم الحشرات والتي تمثل السبيل الوحيد لبقاء أكبر نسبة من البشر على قيد الحياة، انسوا أيضا كل الانتقادات الموجهة إلى الصين بأنهم ياكلون كل شيء حي ولذلك انتشر فيروس كورونا في العالم، فهذه الانتقادات تتعارض كلياً مع الأبحاث الجديدة للمنتقدين أنفسهم عن فوائد لحوم الحشرات، الإنترنت متاحة للجميع، ومن يريد البحث بنفسه عن الحشرات وفوائدها الغذائية فليتفضل، لا أحد سيمنعه بالتأكيد.

البحوث الإحصائية بسيطة ولا تكلف أموالاً طائلة ولا تحتاج مختبرات ومعدات غير متوفرة، العقل الجمعي أذكى بكثير من العقول الفردية، مقاومي الدعاية المضللة في مسألة فيروس كورونا ليسوا جهلة كما يحب بعض المختصين المغرمين بشخصية الشيخ الذي يعرف وحده طريق الجنة بل ويملك بعضهم مفاتيحها أيضاً أن يصوروا الأمر، الكثير من المعارضين لهذه السياسات يحملون شهادات في اختصاصات مختلفة والبعض يعمل في المجال الصحي لكنهم غير متفقين مع توجهات الإعلام العالمي العام، فهل تتجرأ الجهات العلمية على إعداد الدراسات المقارنة التي أشرنا إليها في هذا النص؟.

إما أرقامنا هي الكاذبة أو أرقامهم، قول الحقيقة هنا واجبٌ عالمي إن لم نكن نعيش فعلاً في سجن ستانفورد الجديد الذي أصبح ممتداً على كامل مساحة الكرة الأرضية.

اقرأ أيضاً: امتلاك السلطة ليس كافياً لإحداث التغيير – أيهم محمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى