الرئيسيةرأي وتحليل

امتلاك السلطة ليس كافياً لإحداث التغيير – أيهم محمود

الحالمون بغد مختلف يحتاجون قفزات صغيرة متتالية وليس قفزات بالخيال السياسي

في عالمٍ شديد التعقيد، لم تعد الأحلام والأمنيات المشتركة كافية، لتغيير واقعٍ مكبلٍ بآلاف القيود الحديثة التي فرضتها أدوات الاتصالات على البشر، لم يعد بإمكان تنظيمٍ سياسيٍ أو شعبي أن يقوم بثورة، حتى الانقلابات العسكرية لم تعد بالأمر اليسير، لم يعد استلام السلطة كافياً لإحداث تغييرٍ محسوس في واقع العقول الحالمة بغدٍ مختلف.

راقبت بتأني حيرة حركة طالبان في أفغانستان، وهي تملأ فراغ الانسحاب الأمريكي بسهولة، لكنها لا تعلم ماذا ستفعل في اليوم التالي لهذا الانتصار الهام بالنسبة لها، لم تكن سيطرتها على البلاد مفاجئة لدول العالم الفاعلة، ولمطابخها السياسية بل أمرٌ معروفٌ سبقه مفاوضات طويلة امتدت سنوات، إذاً هي تعلم أن الفرصة ستكون متاحة لها لحكم البلاد، ومع ذلك بقيت الحركة حائرة فهي لم تخطط مسبقاً لليوم التالي لانتصارها.

مثال حركة طالبان ليس يتيماً بل هو قاعدةٌ عامة وليس مجرد استثناء، لو قيض للشيوعيين أو القوميين او الليبراليين أو أي جهة أخرى، أن يجدوا أنفسهم في مكان حركة طالبان لما فعلوا غير ما فعلت، حتى لو أجادوا في صياغة الوعود المستحيلة لإخفاء حيرتهم، يؤمن الجميع غالباً بأن السلطة تسمح لهم بإحداث كل التغيير المطلوب، يكفي أن تسيطر على الدماغ لينفذ كل الجسد أوامرك المباشرة، هذا صحيح فالمشكلة لا تتعلق بضمان تنفيذ الأوامر بل تتعلق بماهية الأوامر نفسها.

تتلخص المشكلة هنا بين العقل العلمي والعقل السحري، تدرب العقل الأول جيداً على إجراء التجارب والاختبارات قبل البدء بإطلاق أي منتج جديد، بينما يقف الثاني مع أحلامه التي يعتقد أنه يكفي إطلاقها أو يكفي نطقها لتتحقق، ما هو الحل السحري الذي يضمن تحقيق كلماته، السلطة!، وليست أي سلطة، فالبلاد التي تتمتع بأحزاب وصيغة خلاف ديموقراطي لا تناسب لأصحاب العقول السحرية، فهم يعتقدون أن الفشل لا يسكن أوامرهم بل يسكن عدم وجود طاعة تامة لها، هم يتقمصون شخصية الآلهة التي خلق العوالم الدينية على اختلاف أنواعها بنطق كلمات فقط، هذه الصورة تأسر قلوبهم وإن لم يتجرؤوا الاعتراف بها.

اقرأ أيضاً: حروب عائلية.. حكاية سياسية بلون القهر الأسود – أيهم محمود

لم يعد استلام السلطة كافياً لإحداث تغييرٍ محسوس في واقع العقول الحالمة بغدٍ مختلف أيهم محمود – كاتب

لم أشاهد من قبل في منطقتنا حزباً سياسياً حاول إقامة مختبرات صغيرة لأفكاره وأمنياته وأحلامه، حاول البحث عن طرق واقعية لتحقيقها، لذلك انتهت جميع الأحلام الكبرى، إلى واقعٍ يعرفه من استيقظ من حالة الانكار التي تستمر في شرقنا أحياناً مئات الأعوام، ربما حان الوقت لنفكر في تغيرات صغيرة متتالية تحسن بشكل واقعي مستوى حياتنا بدل التفكير في قفزات في الخيال السياسي لم تصل بمنطقتنا سوى إلى نكبة تلو أخرى.

لنفكر في تغيرات صغيرة متتالية تحسن بشكل واقعي مستوى حياتنا بدل التفكير في قفزات في الخيال السياسي لم تصل بمنطقتنا سوى إلى نكبة تلو أخرى أيهم محمود – كاتب

اقرأ أيضاً: الشيوعية والتدين الشكلي -أيهم محمود

سناك سوري-أيهم محمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى