شائعات مكافحة الفساد وتطفير رأس المال السوري “الجبان”

الشائعات الطاردة لرأس المال تذكرنا بالتأميم الذي خسَّر سوريا
سناك سوري- حسان يونس
بعد ثماني سنوات من الضخ الإعلامي غير المسبوق على الفضائيات، ووسائل التواصل الاجتماعي أصبح من الجائز قوله إن الحرب الإعلامية لا تزال تمثّل الجزء الأهم من الحرب السورية المتواصلة، وأن ما يجري ترويجه من شائعات ذات أبعاد اقتصادية، أو طائفية، أو أمنية، أو عسكرية يمثل بديلاً عن النزاع العسكري الذي وصل إلى حدوده القصوى على المدى المتوسط .
وفي هذا الإطار انتشرت –ولا تزال- خلال الفترة الماضية موجات متلاحقة من المعلومات حول الاستعداد لمكافحة الفساد، وملاحقة الفاسدين والضرب عليهم بيد من حديد، وهي شائعات أثارت الكثير من الآمال لدى الشارع السوري المنهك معيشياً، وفتحت أمامه نافذة أمل، ما أعمى البصائر عن الآثار الحقيقية التي ستُخلّفها موجة الشائعات هذه. خاصة مع انفجار فقاعة الحديث عن ملف الفساد المرتبط بوزارة التربية وثمانين موظفاً مرتبطين بهذا الملف، جرى نشر أسمائهم ضمن قرار الحجز الاحتياطي الصادر بحقهم في سابقة غريبة لم تعتد عليها الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، التي تحقّق في ملفات كثيرة، وتنهي التحقيق وترفع توصياتها دون نشر أي تفاصيل، والأمر الغريب الآخر، ما جرى ترويجه عن اختلاس هذه المجموعة “350 مليار ليرة”، وهو مبلغ مهول جرى تفنيده منطقياً من قبل عدة مختصين دون جدوى بسبب تتابع موجات ضخ الشائعات حول الفاسدين و”قرارات الملاحقة الصادرة بحقهم”، وكان آخرها ما تداولته عدة صفحات تواصل اجتماعي، وعدة مواقع عن مصادرة أموال شخصيات متهمة بالفساد وصل عددها إلى 50 شخصية من كبار أصحاب رؤوس الأموال في سورية، بمبلغ وصل إجماليه إلى 275 مليار دولار وهو مبلغ مهول تلقّفه الشارع السوري بأمل شديد غير مدرك للماء الآسن المتسرب أسفل منه.
اقرأ أيضاً: ثلاث تحولات كبرى في تاريخ سوريا – حسان يونس
ذلك أن هذا الحديث العشوائي اللا منضبط، والمجهول المصدر عن مكافحة الفساد وعن مصادرة أموال كبار المتمولين السوريين هو عزف ماجن على الوتر الشهير “رأس المال جبان”، وهو دعوة وضغط على الأموال المتبقية داخل البلاد، كي تغادر خاصة أنه يأتي بعد أن تعرّضت الليرة السورية لحملات مضاربة رفعت قيمتها إلى 700 في مقابل الدولار يوم الثلاثاء 10/9/2019 ، أي أن هذه الشائعات تلعب دوراً يتكامل مع الحملات التي تعرضت لها الليرة السورية لرفع قيمتها وإدخال البلاد في تضخم يتصاعد لولبياً دون ضابط إيقاع وصولا إلى الانهيار كامل، والأمر الآخر أن هذه الشائعات تلعب دوراً يناقض ضرورة “ثقة السوريين بليرتهم” التي أكد عليها حاكم مصرف سورية المركزي “حازم قرفول” في إطلالته الإعلامية 17/9/2019 كسبيل لتجاوز الضغوط التي تتعرض لها الليرة السورية من مصادر متعددة داخلية وخارجية.
وإذا كان لنا أن نعتبر من الماضي القريب، فإن عمليات التأميم التي بدأت في عهد الجمهورية العربية المتحدة 1958 واستمرت بعد الثامن من آذار 1963 كانت ذات مفعول مشابه لحملة الشائعات المذكورة من حيث طرد رؤوس الأموال، حيث كانت نوعا من السياسة اللا مدروسة التي تسببت بنزوح رؤوس أموال ضخمة، قُدِّرت في حينه بمبلغ 800 مليون ليرة (مايعادل وقتها 228 مليون دولار أميركي)، بالإضافة إلى خروج عشرات العائلات البرجوازية مع خبراتها ومشاريعها ناقلة صناعة النسيج وغيرة إلى دول الجوار كلبنان والأردن، تاركة الكثير من المنشات الصناعية الرابحة في حينه لتتآكلها البيروقراطية وسوء الإدارة والفساد، ويبدو أن حملة الشائعات القائمة حالياً هي استعادة من حيث النتيجة لسياسات التأميم السابقة وما تسببت به من طرد لرؤوس الأموال نتيجة اتسامها بالعشوائية المفرطة ونتيجة الإثارة الإعلامية الكبيرة المرافقة لها!.
ماسبق ليس موقفاً من محاربة الفساد فهي جل ما نتمناه على أن تكون مبنية على وقائع واستراتيجية قانونية ومحددات وملفات حقيقية، وإنما موقف من الشائعات واستخدامها في إطار وهمي يضر الاقتصاد السوري أكثر مما يفيد المواطن بكثير.
اقرأ أيضاً: مكافحة الفساد.. حملات موسمية أم برامج جدية – أنس جودة