الرئيسيةرأي وتحليل

الذات السعيدة – ناجي سعيد

كيف تتفادى نزاعاً عنيفاً بعد حادث سيارة؟

سناك سوري-ناجي سعيد

سأبدأ موضوع التواصل اللاعنفي وعلاقته بالسعادة، بطرفةٍ سمعتها منذ زمن، وكانت تُروى عن أن شخصًا “مُحشّشًا” دخل إلى دُكّان، وسأله: ” بلاقي عندك كيلو لبنة؟” فأجابه الرجل: لا. فذهب إلى دُكّان آخر، وسأله: ” وأنت؟”. والطرفة تُروى عن “المُحشّشين”. ولا عتَب على هذا الشخص غيرُ الواعي (المُحشّش)، بل العتب الأكبر أن يؤدّي التواصل الخاطئ من أشخاص يملكون الوعي الكامل إلى النزاعات التي تُسبّب بدورها العنف.

في التواصل اللاعنفي هناك أربع خطوات لا بدّ من إتّباعها في حال النزاعات الفردية، للتفاهم بين البشر: 1- الملاحظة أو المُشاهدة، 2- المشاعر، 3- الحاجات، 4- الطلب.

فعند حصول حادث اصطدام سيارتين، ماذا يحصل؟ هناك “واقع” و “مُرتجى”. في الواقع: ينزل السائقان بعد حدوث الاصطدام ويبدآن الصراخ والعراك. فالألم والغضب يعطّلان عمل العقل حينها. واستخدام العقل هو -“المُرتجى”- المطلوب لحلّ هذه المشكلة. وقد يكون بالنسبة للبعض، أن هذا ليس سوى مجرّد “تنظير”. فمن يمرّ بحالات شعور الغضب أو الخوف أو حتّى الفرح، لن يكون لديه المساحة الكافية ليفكّر في تنفيذ خطوات التواصل اللاعنفي الذي يمهّد الطريق إلى سعادة الإنسان.

وفي عودة لحادث السيارة، ولتفادي النزاع العنيف حينها، لا بدّ من اتباع خطوات التواصل اللاعنفي الأربع. وقبل هذه الخطوات الفعّالة بالتأكيد، لا بدّ لمُتّبعها، أن يكتسب مهارة “إدارة الغضب”، حيث تفتح هذه المهارة الباب أمام الشخص للتحكّم بمشاعره والسيطرة عليها، فتصبح لديه القدرة على كظم غضبه – بطريقة سليمة – تسمح من جهة باستخدام مهارة التفكير (العقلانية)، ومن جهة أخرى البحث عن سلوك أو نشاط تفريغي، فلا يتأثّر سلبًا من خلال عدم التعبير عن المشاعر (الكبت).

اقرأ أيضاً: لا ضرر لا ضرار – ناجي سعيد

سأكمل السرد عن الحادث، فبدايةً: يتفقّد الشخصان في الحادث، السيارتين، (والحادث غير خطير بالطبع)، وهذه الخطوة الأولى (الملاحظة/المشاهدة)، والخطوة الثانية تكون بالتعبير عن المشاعر، وهذا مُستغربٌ في مجتمعنا الشرقي. وفي الخطوة الثالثة يُعلن المُتضرّران من الحادث عن حاجاتهما لإصلاح ما تضرّر من السيّارة. ورابعًا يطلب من لديه الحقّ من الأخر التعويض المناسب.

وعلى الرغم من استحالة تنفيذ خطوات التواصل اللاعنفي، إلاّ أنّ تنفيذها يؤمّن الإنسان السير في سبيل السعادة. ولست من النوع المتشائم، أو السلبي التفكير، لكنّ الطريق إلى السعادة شائكة، وليست سهلة المنال، في خال أهملنا أمور ثانية. لكنّ من الضروري، وبعد المقال السابق الذي تم فيه الحديث عن التوازن بين الدماغ والقلب (بيولوجيًّا)، أن نتحدّث عن خطوات يجب إتّباعها لضمان البقاء في طريق السعادة.

فالسعادة مفهوم قِيمي، لا يتحقّق عن طريق دواء مُعيّن، بل هو مسار يتضمّن انتهاجه خطوات عدّة. وتربط هذه الخطوات الإنسان بآخرين، على مستوى العلاقات والمصالح. وهنا، ينتقل مفهوم السعادة من المستوى الفردي إلى الجماعي. ويتفلّت مفهوم السعادة المتجزّئ بين الناس. فيصعب تحديد المفهوم المشتّت بين ناس مختلفة الوعي والنضج والظروف.. ولكن وكم منظور لاعنفي فالسعادة قيمة موجودة داخل الإنسان، كما قال عمر الخيّام: “الجنّة والنار هما في ذات نفسك”. ولا يمكن تحديد مفهوم السعادة إلاّ إذا تم تنظيف الطريق إلى الذات، فطريق الذات المليئة بالحفر والمطبّات، لا يمكن سلوكها للوصول إلى السعادة. ولا يعني ذلك أن تكون أنانيًّا، ولا تلتفت إلاّ لذاتك لتكون سعيدًا، لا بل “الذات السويّة” يمكنها الاهتمام بالآخرين أكثر وأفصل من الذات المريضة.

اقرأ أيضاً: جين شارب أميركي لاعنفي – ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى