“غادة مراد” أول قاضية في “سوريا” و أول عربية تصبح نائباً عاماً للدولة !

ترأست لجنة التحقيق في اغتيال “الحريري” و أنشأت مراكز خاصة للإراءة
سناك سوري _ محمد العمر
خرقت تلك الفتاة القادمة من حي “الحريقة” الدمشقي العتيق الصورة النمطية لدى أهل عصرها حين دخلت القصر العدلي في “دمشق” و مارست مهنة المحاماة وصولاً إلى القضاء .
لم تكن “غادة مراد” تعرف أنها كانت تخطو نحو دخول التاريخ كأول سورية تُنَصّب في سلك القضاء و أول امرأة عربية تصل إلى منصب النائب العام للدولة .
فمنذ سفرها خلال رحلة مدرسية إلى “مصر” عام 1957 للمشاركة في مؤتمر آسيوي إفريقي، تعلّمت “مراد” أن تعتمد على نفسها وتؤمن بكيانها وتثق بقدرتها على النجاح رغم أنها لم تكن قد تجاوزت السادسة عشرة من عمرها حينها .
خلال دراستها الثانوية كانت “مراد” تطمح أن تكون مهندسة أسوة بأحد أقاربها الذي كانت تشاهد اسمه مكتوباً على الأبنية التي صممها في العاصمة ، فكانت تتمنى أن تصل إلى شهرته الواسعة و تنجز ما يؤهلها لكسب تلك الشهرة .
إلا أنها حين أنهت دراستها الثانوية لم تتمكن من دراسة الهندسة بسبب وجود الكلية في “حلب” ، فقرّرت أن تتبع خطى والدها الذي توفي وهي في الثانية من عمرها و تدرس الحقوق في “جامعة دمشق” .
ورغم أن نساء سوريات سبقنها لامتهان المحاماة إلا أن “مراد” كانت تمارس مهنتها بشكل يومي و جدّي وكانت تدهش من حولها في زمن لم يكن السوريون قد اعتادوا فيه مشهد امرأة تمارس المحاماة وتجوب أروقة القصر العدلي .
ساهم نجاحها في مهنتها خلال 9 سنوات من المحاماة في أن يختارها الرئيس السوري الراحل “حافظ الأسد” لتكون أول قاضية في التاريخ السوري بموجب مرسوم رئاسي عام 1975 رغم اعتراضات الرجال الرافضين لاقتحام المرأة مجال القضاء حينها .
اقرأ أيضاً: غادة السمان تكتب لأول أستاذة جامعية في سوريا
تروي “مراد” خلال مقابلة تلفزيونية أنها فكّرت ليلة صدور مرسوم تعيينها في أن وصولها إلى هذا المنصب يشكّل تحدياً كبيراً لها حيث ستتحمّل مسؤولية النجاح والفشل ليس بالنسبة لها فحسب بل لكل النساء من بعدها ، فصمّمت على خوض التحدي وإثبات جدارة النساء بالوصول إلى المراكز الهامة .
لم يكن النجاح المهني فحسب مهمة “مراد” الوحيدة فقد جابهت الكثير من الصعوبات حولها في وسط من الرجال الذين لا يؤمنون بقدرة المرأة ودورها إلا أن ذلك كان يزيد من إصرارها على النجاح لتثبت إلى أي مدى تستطيع المرأة أن تكون جديرة بالثقة .
لاحقاً وصلت “مراد” إلى منصب المحامي العام الأول في “دمشق” و أثبتت قدرتها على تحمّل المسؤولية وشاركت عام 1989 في مؤتمر القاضيات العالمي في “واشنطن” فشكّلت مفاجأة للقاضيات الغربيات حين عرفوا أنها تشغل منصب المحامي العام الأول في بلد عربي .
عام 1998 صدر مرسوم تعيين “غادة مراد” بمنصب النائب العام في “سوريا” ما يعني تمتعها بعضوية المجلس الأعلى للقضاء في “سوريا” فكانت بذلك أول امرأة عربية تصل إلى هذا المنصب.
لعبت “مراد” دوراً هاماً في تطوير القوانين المتعلقة بحقوق المرأة و الطفل في “سوريا” كما ساهمت في تخصيص أماكن خاصة للإراءة بين الأطفال و ذويهم المنفصلين بعيداً عن المحاكم و الاختلاط بالمشتبهين و المجرمين .
تسلّمت “مراد” عام 2005 واحدة من أهم القضايا في التاريخ السوري الحديث المتعلقة بمستقبل البلاد ووضعها السياسي إقليمياً ودولياً حيث ترأست اللجنة القضائية السورية الخاصة بالتحقيق في اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الراحل “رفيق الحريري” والتعاون مع لجنة التحقيق الدولية .
أثبتت “مراد” خلال 30 عاماً من ممارسة القضاء حتى تقاعدها عام 2006 أن المرأة السورية قادرة على تحمّل المسؤوليات بجدارة ، وفتح نجاح “مراد” بمهامها الباب أمام النساء السوريات للوصول إلى المناصب القضائية بعدما كانت حكراً على الرجال حيث تضم المحاكم السورية الآن مئات القاضيات اللواتي أثبتن قدرتهن على تطبيق القانون و الحكم بالعدل .
اقرأ أيضاً :“فائزة القادري”.. أول امرأة تدير مركزاً ثقافياً في “الحسكة”