التنمية المحلية.. مقاربات أم إشكاليات – مازن بلال
التحدي الأساسي هو إخراج صورة مختلفة هدفها الأساسي تغيير الشرط الإنتاجي للمجتمعات المحلية كي لا تصبح جزرا معزولة ضمن الاقتصاد الوطني
سناك سوري – مازن بلال
تعطي النظرة الأولية للاهتمام بالمجتمعات المحلية، وإيلاء التنمية فيها شكلا خاصا، نوعا من الدخول في مرحلة تفكيك المؤسسات الأقوى، أو الكتل الصلبة التي تشكل شبكة على المستوى الوطني، فالاتجاه القوي في أوروبا على الأقل كان يقدم المجتمعات المحلية لمواجهة الفراغ الذي خلفه تخلخل النقابات، وفي بريطانيا خلال مرحلة رئيسة الوزراء “مارغريت ثاتشر” بدأ كتل النقابات القوية بتخلخل؛ لصالح تمثيل ليبرالي أكثر مرونة مع سياسات الخصخة، وفي هذه المرحلة بالذات استطاع الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي يعتمد على المجتمعات المحلية – السياسية الدخول للبرلمان، وذلك بعد عقدين تقريبا من طرح نظريته التي تستند إلى المجتمعات المحلية.
الإشكالية الأساسية لا ترتبط بمقارنة بين كتل التمثيل النقابي، أو غيرها من الكتل، وإعادة توزيع الأدوار التنموية على مستوى محلي بدلا من استخدام “الشبكات الوطنية”، إنما بطبيعة ثقافة الإنتاج التي تسود المجتمع، فالتنمية المحلية في النهاية هي أسلوب وليست مذهبا اقتصاديا، وربما من المفيد التنويه لأمرين أساسيين يرتبطان بطبيعة الإنتاج في ظل التنمية المحلية:
الأول علينا عدم افتراض أن التنمية المحلية قادرة على إنتاج أسواقها، فهي ظهرت في أوروبا أو غيرها من المناطق في ظل “كتلة السوق” وشبكات التجارة التي أصبحت لاحقا “إلكترونية” بالكامل، فالتنمية كأسلوب تعني في النهاية ترتيب الاحتياجات المحلية أكثر من توفيرها لأن الأمر يفوق قدرة المحلي ويتجاوزه لحساب السوق الأكبر.
الثاني إن نقل المفهوم نحو الدول التي تعيش تحولات مختلفة، أو تبحث عن الخروج من تعثر اقتصادي – سياسي يحتاج لعمليات تكيف مختلفة، فالتنمية المحلية لا تملك إرثا على مستوى البنية الاجتماعية، ولا بنية تحتية من أسواق ضخمة قادرة على التعاون مع الاحتياجات التي تفرضها هذه التنمية.
اقرأ أيضاً التعثر والبحث عن التنمية – مازن بلال
عمليا فإن المنظمات الدولية التي تسعى للتعامل مع التنمية المحلية لا تتعامل مع شرط “الانتاج” بل مع تحفيزه، وضمن مفهوم للمحلي يصل أحيانا إلى مستوى “المكان الضيق” لأبسط الاحتياجات مثل المياه والكهرباء، علما أن قطاع الاحتياجات الأساسية في الدول الأخرى لا يخضع للسلطات المحلية، فالمنظمات الدولية تفترض سلفا أن طاقة الحكومة غير قادرة على تلبية هذه الاحتياجات، وقد تكون محقة في هذا الأمر، لكنها في هذا السياق لا تتعامل مع استدامة التنمية التي تنتج أدوات اقتصادية أكبر وأسواق تنمو ثم تعود لتردف المجتمعات المحلية.
إذا كانت المجتمعات المحلية هي نقطة ارتكاز التنمية فإن الصورة الأشمل في المجتمعات غير المنتجة تعطينا إشكالية جديدة، فالعمل على إيجاد فرص عمل وتوليد حلول بين أفراد تلك المجتمعات لا يصب بالضرورة باتجاه اقتصاد فعال، فالتنمية المحلية يمكن أن تأخذ منحى تشتيت الأسواق، على الأخص في ظل العجز الحكومي على خلق تكامل عام أو توفير ممكنات لنمو الاقتصاد الوطني.
في التنمية لا توجد قاعدة تقليدية بل هامش “إبداع أساسي” ومجال للنظر إلى المجتمعات المحلية على أنها ممكنات متحركة، وليست قواعد لتنمية مكانية فقط، فالتحدي الأساسي هو إخراج صورة مختلفة هدفها الأساسي تغيير الشرط الإنتاجي للمجتمعات المحلية كي لا تصبح جزرا معزولة ضمن الاقتصاد الوطني.
اقرأ أيضاً الهوس بالمجتمع المحلي – مازن بلال