الرئيسيةرأي وتحليل

مساحات مهدورة تصلح للسكن – أيهم محمود

حين أفكر بأن واحداً من كل أربعة أشخاص كان سيجد منزلاً خاصاً به لو تبرعنا بشرفاتنا أشعر بالأسى

سناك سوري – أيهم محمود

قد تصل نسبة مساحة الشرفات والقواطع الداخلية في الأبنية السكنية إلى 40% من مساحة البناء، ومن مساحة الحياة اليومية للأسرة، وتعني أيضاً 40% من المبلغ الذي دفعناه للسكن، مساحاتٌ مهدورة وكلفة غير مبررة لكن مثل كل شيء في حياة السوريين: أحدٌ ما دون نص في حقبة زمنية لها ظروفها المختلفة عن ظرفنا الحالي فأصبح قانوناً مقدساً لا يقبل التغيير أو حتى الإلغاء الكامل له ولكل مفرداته.

اقرأ أيضاً:التحولات الثقافية في عصر التشبيك الرقمي- أيهم محمود

هل الشرفات بهذه المساحات هي من تراثنا المعماري؟ هل كانت منازل دمشق القديمة كذلك؟ منازلنا الريفية؟ المنازل القديمة في مدننا؟ من وضع هذا النمط المعماري المقدس الذي يناسب رفاهية السوريين وغناهم الزائد الفائض الذي يسمح لهم بهدر هذه المساحات، لو تم توفير مساحات الشرفات لحصلنا على 20% – 25% مساحات معدة للسكن دون أي كلفة إضافية فهي مساحاتٌ مدفوعٌ ثمنها مسبقاً، انظروا إلى العواصم العالمية، شرفات صغيرة جداً تكفي لبعض تفاصيل الحياة اليومية فلا أحد يستفيد من شرفة بعرض متر أو أكثر بقليل تحيط بكامل منزله، هذه مشكلة هندسية لا حل لها طالما تترك أبواباً لمخالفات البناء لذلك هي مرغوبة وهي ساقية ماءٍ جارية لا أحد يرغب في إغلاقها، لماذا يستطيع سكان العواصم الأوروبية السكن في مساحات أقل بكثير مما نحتاجه نحن السوريين ومع ذلك تبدو بيوتهم أوسع وأفضل من حيث وفرة المساحة المخصصة لكل فرد في الأسرة، متى سيتحرر التخطيط العمراني من ثقافة استعمارية طردناها من أرضنا منذ زمن بعيد لكننا لم نستطع طردها من قوانينا وحياتنا ولم نستطع تحرير ذاتنا العميقة من ثقافةٍ تم فرضها علينا فأدمناها مع أن هناك الأفضل منها بكثير، متى نجرؤ على مراجعة نصوص الاستعمار لنأمل فيما بعد بمراجعة نصوص أكثر إشكاليةً منها وتؤثر في حياتنا بشكل خطير؟.

اقرأ أيضاً:طوبى لمن لم يفقد إنسانيته في هذه الحرب .. أيهم محمود

لا أحاول التقليل من أهمية الهدر والنزيف الذي دفعناه طيلة عقود مقابل مساحات متروكة للعراء استخدامها قليل جداً لكن أود الإشارة هنا إلى أمر أكثر أهمية وهو عجزنا عن إيجاد هوية تميزنا وتميز بيئتا، المنازل القديمة كانت أكثر كفاءة في التعامل مع درجات الحرارة المحلية وهي أكثر التصاقاً بحياتنا وطرق إنتاجنا، اليوم غزت قوانين الشرفات الأرياف لتقضي على ساحات القرى حيث كانوا يجتمعون في المساء وقضت على الفناء الداخلي والفناء الخلفي و قضت على عناصر معمارية كثيرة مفيدة وفعالة من أجل أن نقلد هوية غيرنا فلا نحن نجحنا أن نصبح مثلهم ولا نجحنا أيضاً في استعادة هويتنا.

حين أفكر بأن واحداً من كل أربعة أشخاص كان سيجد منزلاً خاصاً به لو تبرعنا بشرفاتنا أشعر بأسى حقيقي، أسى على عدم قدرتنا على غسل حقباتٍ ماضية انتهت مدة صلاحيتها فلم نتعلم منها طرق صناعة هويةٍ خاصةٍ بنا، هل نجرؤ في يوم ما على دراسة حجم استخدامنا لهذه الشرفات وأسباب مخالفة إغلاقها لتشويه الأبنية في معظم مدننا، هل يبرر دفع غرامة إغلاق بعضها التشويه الذي تنتجه في مدننا، أليس من الأجدى حذف معظمها من البناء أو ضمها إلى مساحات الإنشاء المسموحة، مشاكل نضوب الطاقة التقليدية قادمة لذلك ربما علينا التعلم من حلول أجدادنا التي تهدف إلى دعم الحياة داخل منازلهم وطرق عزلها عن الظروف القاسية المحيطية بهم.

اقرأ أيضاً:سوريا.. تقاسم الوجع.. أيهم محمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى