الرئيسيةرأي وتحليل

لماذا تصبح الأتمتة أحياناً مصيبة بدل أن تكون أداة مفيدة؟

الأتمتة التي فشلت مع الكتاب الإلكتروني هل تنجح مع الخبز؟

سناك سوري-رامي فيتالي

بدايةً، الأتمتة هي تعريب لمصطلح Automation الإنكليزي، الذي يعني تحول العمل من يدوي إلى آلي أتوماتيكي باستعمال الآلات والتقنيات الحديثة، ومع تطور الحواسيب صارت تعني أكثر فأكثر الاعتماد على الحواسيب والشبكات الحاسوبية في إجراء المهام وتقديم الخدمات المختلفة.

الأتمتة مبدئياً هي أداة مفيدة جداً، تختصر الكثير من الأعمال اليدوية والورقية الروتينية وتنجزها بسرعة فائقة، ويكثر الاعتماد عليها في الدول المتطورة والشركات الكبيرة، ولكن قد يحدث أحياناً أخطاء في طريقة تنفيذها.

كل من درس أو شارك في تطوير أنظمة حاسوبية مؤتمتة يعرف أن عملية التطوير يجب أن تمرّ في مراحل عدة، وهي التخطيط ثم ما يسمى بعملية تحليل النظام، أي تحليل الحالة والخدمة المطلوبة أو المقدّمة في العادة بشكل يدوي وما يمكن أن تقدمه الأتمتة، تأتي بعدها مرحلة التصميم، أي وضع الشكل العام والخطوط العريضة للنظام الحاسوبي، ثم مرحلة كتابة الكود البرمجي والتطوير، تأتي بعدها مرحلة الاختبار، ويجب أن يكون اختباراً تقنياً وعملياً أيضاً، أي تجريب الخدمة على نطاق حقيقي صغير، تأتي بعدها مرحلة تطبيق الخدمة بشكل فعلي مع تقديم الدعم الفني لها، والمرحلة السادسة والأخيرة هي الصيانة والتحديث وهذا سيعيدنا إلى الخطوة الأولى.

من أكبر الأخطاء التي تحدث أثناء عملية التطوير هي عدم دراسة الطرق اليدوية التقليدية التي كانت متبعة وميزاتها العملية التي من الممكن أن نخسرها في عملية الأتمتة، وهذا الموضوع ليس سهلاً فحتى الخبراء والشركات ذات الخبرة قد تقع في هكذا أخطاء.

لنأخذ مثالاً الكتاب الإلكتروني، رغم أن الحواسيب الشخصية من 25 سنة تقريباً صارت قادرة على إظهار النصوص مع الصور بدقة جيدة على شاشة الكومبيوتر، ويضاف لذلك سهولة تخزين كميات كبيرة من الكتب والبحث عنها وفيها، وانخفاض كلفة نسخ الكتب ونقلها لدرجة تقارب الانعدام، بقي الكتاب متعالياً على الانتقال من الشكل الورقي التقليدي إلى الشكل الإلكتروني، وأن يتحول لمجموعة من البايتات المخزنة حاسوبياً.

اقرأ أيضاً: سوريا: طابور الخبز يجبر أستاذاً جامعياً على تأجيل محاضرته

وحتّى اليوم ومع انتشار الأجهزة اللوحية والموبايلات ذوات الشاشات الكبيرة، مازال الكتاب الورقي مثبتاً لوجوده ولذلك عدة أسباب، وكلّها تدخل في خانة ميزات للكتاب الورقي لم يكن كثيرون يدركونها.

منها مراعاة راحة النظر التي لا توفرها شاشات الحواسيب مثل الورق، ومنها أيضاً الحفاظ على النص وعدم إمكانية تغييره بقصد أو بغير قصد، وأيضاً الكتاب الورقي يضع فيه القارئ علّامات ليعرف أين وصل في القراءة، وقد يحمل بيده قلم رصاص لوضع بعض الملاحظات التي قد تخطر له، أي ما يسمّى الهوامش، ويرجع إليها فيما بعد، وربّما أيضاً لصاقات ورقية ملوّنة لتعليم أماكن مهمّة والعودة إليها بسهولة. يمكنه أيضاً مسك مجموعة من أوراق الكتاب للتقليب بسرعة بين نصين للمقارنة بينهما أو بين الفهرست والمقطع الذي يشير إليه. الكتب العلمية والمرجعية الورقية تلحق عادة بأدلة للكلمات المفتاحية وأين تمّ الحديث عنها ضمن الكتاب.. كلّها أمور كان مطوّرو الأنظمة بطيئين جداً في اعتمادها ضمن البرامج التي تُستعمل لقراءة الكتب إلكترونياً.

اليوم في سوريا يوجد اتجاه متزايد لاعتماد الأتمتة خصوصاً في موضوع توزيع المواد المدعومة والمقنّنة، ويلاحظ الناس تخبط القرارات المرتبطة بها ومشاكل كثيرة في تطبيقها. الأسباب تتعلق بكل خطوات تطوير هذه الأنظمة المؤتمتة، من التخطيط الذي يفترض به أن يحدد أهداف الأتمتة من الخطوة الأولى، إلى تحليل الأنظمة إلى البرمجة وتأمين البنية التحتية من برامج أساسية وعتاد، إلى فعالية الاختبارات، وحتى التطبيق العملي وتقديم الدعم الفني. ولكن المشكلة الأكبر تبدو ضمن مرحلة تحليل النظام بالإسراع بتطبيق الأتمتة دون تحديد الميزات التقليدية التي قد يتم فقدها عند التحوّل للشكل الإلكتروني بدون انتباه.

أهم هذه الميزات هي أنّ المستهلك كان يذهب لشراء المادة عندما يكون بحاجة لها، ومن المكان الذي يختاره، ربّما بسبب قربه منه أو لأنّ البائع أمين ويقدم خدمة جيدة ومنتج جيد. لذلك أي نظام مؤتمت يفرض على المستهلك شراء كميّات محددة وبأوقات محددة ومن أماكن محددة يحرمه من ميزات كان يتمتع بها بالطريقة التقليدية، ويؤدي فقدها للكثير من المشاكل قد تكون غير قابلة للحل، خصوصاً عندما تكون المادة سريعة التلف مثل الخبز. لذلك يجب التروي كثيراً قبل أخذ مثل هذه القرارات ودراسة نتائجها مسبقاً بالتفصيل.

أيضاً فرض استخدام الأتمتة حصراً عن طريق برامج تعمل عبر الموبايلات الحديثة يجعل كثيرين يعانون من مشكلة التسجيل والاستخدام بسبب عدم توافر الموبايل الحديث أو صعوبة استخدامه، وهذه مشكلة لم تكن موجودة بالطريقة التقليدية.

فهل أدعو إذاً لوقف عمليات الأتمتة ولعودة للطرق التقليدية؟ لا إطلاقاً، لكن يجب الانتباه إلى أن طريقة التطوير والتطبيق هي التي تحدد ما إذا كانت الأتمتة أداة ذات فائدة عظيمة، أم مصيبة ومشكلة كبيرة.

اقرأ أيضاً: طلاب الهندسة يبتكرون مشاريع تحاكي الواقع.. بانتظار التبني!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى