الرئيسيةشباب ومجتمع

كيف تحدد اللهجة الشامية المكانة الاجتماعية لدى المتحدثين؟

مطربة خليجية تتحدث اللهجة الشامية في لقاء لها عبر قناة خليجية

سناك سوري – شاهر جوهر

قبل أيام استضاف مذيع على إحدى القنوات الخليجية فنانة خليجية شابة، الملفت أن هذه الفنانة وطوال مدة اللقاء كانت تتحدث بلهجة شامية وسطى كتلك التي يتحدث بها سكان “دمشق”.

من أقصى البلاد زرت “دمشق” كريفي لأول مرة قبل الحرب بسنوات، كنت طالباً جامعياً يحمل لهجة ريفية جنوبية ثقيلة بها من الحِميريّة المطوّرة ما يجعلها صعبة الفهم، بلا مبالغة كنت أشعر بالدونية حين يستثقل البعض فهم أو استيعاب بعض المفردات المحكية، وكذلك تبدّى الحرج على وجوه أشخاص قدموا من مناطق لها لهجاتها المحكية الخاصة كالجزراوية والساحلية والحلبية والحورانية، لهذا وتفادياً للإحراج والتنمر أحياناً ولسهولة الاتصال بالآخرين، وأحياناً كثيرة كنوع من رغبة المرء إظهار مدنيته ورقيّه أمام الآخرين (كهذه المطربة الخليجية) أخذتُ تدريجياً أستعمل مفردات شاميّة محكيّة.

تعتبر اللهجة الشامية الوسطى في “سوريا” (المتمثلة بدمشق وحواضرها) و بلكناتها المختلفة معياراً للمدنية، التي يتقلدها كل سوري راغب بإظهار رقيّه أمام الآخرين، وبلا مبالغة تعد اللهجة الشامية اليوم بالنسبة للعرب كاللغة الإنكليزية، لهجة السواد الدارجة لما لها من ارتباط بالمكانة الاجتماعية للمتحدثين.

اقرأ أيضاً: شكارك وتدرقع.. مصطلحات من دير الزور تعرفوا على المزيد منها

فتبديل اللهجة بالعموم لا يقتصر على مكان معين، ولا على الطلاب أو زوار العاصمة أو في النصوص الدرامية فقط، فقد يتعداه الأمر لشخصيات كبيرة في المجتمع، في أي مجتمع. مثلاً بدّلت “مارغريت تاتشر” لهجتها إلى اللهجة الرسمية التي يستخدمها مثقفو “بريطانيا” لتتمكن من التواصل مع شرائح اجتماعية كثيرة في بريطانيا.

سواء بالإعلام أو بالجامعات، الغالبية يستخدمون اللهجة الشامية في أحاديثهم

كذلك يبدل على الدوام فنانون عرب لهجتهم الى المصرية المحكية حين يتم الالتقاء بهم على المنصات الإعلامية المصرية. و في “سوريا” اليوم بات العرف السياسي والاجتماعي والثقافي يستوجب بالضرورة الحديث أمام المنصات الإعلامية والندوات الاجتماعية في حال دعت الضرورة للحديث خارج سياق اللغة العربية الفصحى إلى اعتماد اللهجة الشامية المحكية، فمن النادر وقد يكاد يكون من المستحيل أن تجد سياسياً أو فناناً أو مثقفاً يخرج ويتحاور مع الإعلاميين، أو يتحدث إلى الشارع بلهجته المحكية كالساحلية أو الحورانية أو الجزراوية أو غيرها.

في استطلاع رأي بسيط أجراه سناك سوري تم سؤال 36 شخصاً من شرائح مختلفة من عموم المحافظات السورية في جامعة “دمشق” بكافة فروعها في المحافظات الجنوبية وكذلك طلاب من جامعة “تشرين” حول ما إذا كانوا يستعملون لهجاتهم المحلية للتواصل مع زملائهم في حرم الجامعة أو خارجها، فكانت إجابة 92 بالمائة منهم هي “لا” وأنهم يستعملون اللهجة الشامية لسهولة التواصل أو كنوع من “الوجاهة الاجتماعية”، في حين قال البقية وهم 8% من عينة الاستبيان، أنهم يتحدثون بلهجاتهم المحلية ولا يرون فيها عيباً مع عدم إنكارهم أنهم يجدون صعوبة في إيصال بعض الأفكار للطرف الآخر في حال استعملوا لهجاتهم المحلية.

بغض النظر حول نشأة اللهجات الشامية من تزاوج اللغتين الآرامية والسريانية مع العربية واستمرار تطورها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، إلا أن تلك اللهجات في “سوريا” باتت تختلف اليوم حسب الموقع ونمط الحياة بين المدنيين والقرويون والبدو، وكذلك حسب الدين والعرق والقبيلة، كما تختلف لكنتها من حي لآخر في بعض المناطق، لهذا وعلى الأغلب شكلت تلك اللهجات الحدود الإدارية للمحافظات.

فمثلاً كلمة “ليك” أو “ليكا” والتي تعني “أنظر إلى تلك الإشارة”، أو كلمة “أيمت؟” والتي تعني “متى؟” فهي كلمات من مئات الكلمات السريانية التي امتزجت بشكل واضح في اللهجة الشامية بالدرجة الأولى.

وإن أردنا تبيان الفروقات المحكية في اللهجات السورية في كلمة (الآن) كأحد الأمثلة في اللغة العربية الفصحى نجد ما يقابلها في اللهجات المحلية، حيث تلفظ بصيغ مختلفة تعود لكل منها إلى حالة النحت اللغوي التي تعرضت له اللغة، وكيف أصبح يتم الاختيار بين تلك المفردات على أساس المكانة الاجتماعية.

اقرأ أيضاً: فنانة عالمية تغني باللهجة السورية في مقر الأمم المتحدة

ففي مناطق الساحل السوري مثلاً يقول الشخص “هلّقْ” hallak مع مراعاة السكون على حرف القاف وهي كلمة منحوتة من جملة (هذا الوقت)، ويوافقها في هذا اللفظ جزء من سكان “السويداء” في الجنوب مع ترقيق الشدّة على اللام لتلفظ halak، في حين أن الغالبية لسكان “السويداء” يقولون “إسّه”eِssah، في تأثير واضح للهّجات الحميرية والنجدية، وهو تأثير يبدو واضحاً في اللهجات الجنوبية السورية أكثر من غيره.

ساهمت الدراما الشامية والمسلسلات الأجنبية المترجمة في انتشار اللهجة الشامية الوسطى اللينة بالوطن العربي

 

أما في “القنيطرة” يقال “هسّع” hass3 (أي منحوتة من عبارة هذه الساعة)، يشابهها في ذلك مناطق في الجزيرة السورية لكنهم يقوموا بلفظها في شكل أسرع، و في “درعا” فيقال “هسعينيات” hassaeneat فيظهر هنا الأثر اللغوي الحميري الواضح في إيراد حرفي الألف والتاء الساكنة نهاية الكلمة. أما في مدينة كمدينة “حلب” تلفظ قريبة من اللهجة الشامية الوسطى (هلأ) لكنها تمتاز عنها بأنها أثقل حيث تلفظ hulla2. أما في اللهجة الشامية الوسطى فتستبدل القاف إلى همزة فتكون أكثر بساطة وهدوء وسهولة في اللفظ (هلأ) hall2. ومع مرور الوقت باتت بعض اللهجات تقضم الهمزة وتُلفظ كألف لينة في نهاية الكلمة halla.

ساهم الإنتاج التلفزيوني السوري في انتشار كبير للهجة السورية في الوطن العربي، و على وجه الخصوص اللهجة الشامية الوسطى اللينة في الدراما الشامية مثل مسلسل باب الحارة الشهير مثلاً، إلى جانب المسلسلات الأجنبية المدبلجة للشامية كالتركية والهندية والمكسيكية.

و مع ذلك فاللهجات الشامية بشكل عام غير مكتوبة بصفة رسمية ولم تكتب على مر التاريخ سوى في العصور الحديثة في المسرحيات والدراما وكلمات الأغاني، على عكس بعض اللهجات العربية الأخرى كاللهجة المغاربية التي تم تدريسها في المدارس الجزائرية خلال فترة الاحتلال الفرنسي، وكذلك اللهجة المصرية المحكية اليوم التي أصبحت تُستعمل في صياغة وكتابة شتى أنواع الأعمال الأدبية كالرواية و القصة القصيرة والمسرح، حتى باتت ترتفع دعوات اليوم من قبل كتّاب وأدباء شباب بضرورة اعتمادها كلغة محكية رسمية.

اقرأ أيضاً: هالولد مبخوت.. مصطلحات من الجزيرة السورية هل سمعت بها قبلاً؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى