إقرأ أيضاالرئيسيةسوريا الجميلة

في الرقة أب يدعو قاتل ابنه إلى الغداء بعد لحظات من مقتله

الرقة.. قصص الماضي على أنقاض الحاضر

سناك سوري-الرقة

كان “ثابت الطامع” أحد أهالي الرقة النشامى، قد شاهد السائق الغريب عن المدينة يدهس ابنه الصغير بدون قصد فماكان منه إلا أن أرسل ابنه إلى المستشفى مع أحد أقاربه وأدخل السائق الغريب ضيفاً عزيزاً إلى منزله، دعاه لطعام الغداء دون أن يخبر زوجته بما جرى، وحين كان جالساً يتجاذب أطراف الحديث مع ضيفه الغريب وصله نبأ وفاة ابنه وكأن شيئاً لم يكن استمر بحديثه بشكل عادي حتى إذا ماهم الضيف بالذهاب طمأنه “ثابت” أن حال طفله بخير ولا خوف عليه.

كان ذلك قبل العام 2011، عندما كانت الرقة تضج بساكنيها وتفتح منازلها لضيوفها قبل أن تدمر هذه المنازل وتسوى في الأرض.

الرقة التي ارتبط اسمها بالقتل والذبح والتنكيل، خلال السنوات القليلة الماضية لم تكن تعرف هذه العنف قبل ذلك، كانت مدينة وادعة جميلة يعيش فيها أكثر من مليون نسمة يتوزعون بين الريف والمدينة ويتشاركون عادات وتقاليد اجتماعية فيها الكثير من الود والطيبة والانفتاح والحريات.

اقرأ أيضاً: “إعتدال حسن” حكاية المرأة المتحررة مع التنظيم المتشدد

الرقة التي فرضت فيها الجزية على المسيحيين كانت بالأمس القريب تمارس عادةً اجتماعية لا يشاطرها بها مدينة أخرى، يقول الشيخ “بوزان الهويدي” لـ سناك سوري:«تنص العادة على أن الشاب الذي يتقدم لخطبة فتاة من حي آخر غير الحي الذي يسكنه وكان والد الفتاة “مسلماً” فإنه يطلب من طالب المصاهرة أن يذهب إلى كبير الحي المسيحي لينال موافقته على هذا الزواج أولاً، وفي الوقت ذاته كان المسيحي يقيم ولائم الإفطار في شهر رمضان (شهر المسلمين) ويستضيف عليها جيرانه الصائمين.

اقرأ أيضاً:أبو عبد العزيز الهارب من الرقة أنقذه ابنه المصاب بسرطان الدم!

بينما يضيف “نذير الحسن” في حديثه لـ سناك سوري عن مدينته الرقة:«قبل العام 2011 وفي شهر رمضان تحديداً كانت “أم أيوب” وهي سيدة أرمنية معروفة في الرقة، كانت تؤجل إعداد طعام الغداء لعائلتها إلى ماقبل المغيب بقليل، حتى لا يشتهي الأكل جيرانها من المسلمين»، ويضيف “الحسن” نقلاً عنهابلهجة أهل الرقة:«عيب أولاد الجيران صايمين مو يصير يشمون ريحة الأكل».
ويتابع:«كانت “أم أيوب” تقدر مشاعر الصائمين وكنا فخورين بها، وهذا شكلٌ مبسطٌ للتعايس والألفة والمحبة والإحترام».

مجتمع الرقة الجميل لم يكن يقتصر على الرجال فقط، فلم تكن النساء أقل نشاطاً ووداً منهم، ومن العادات النسائية أن المرأة التي يغيب زوجها عن المنزل بداعي السفر أو العمل أو أي مبرر، فإن جاراتها يجتمعن ويذهبن للنوم عندها حتى لا تبيت لوحدها، فالنساء يعتبرن أنه من العار عليهن أن تبيت جارتهن في المنزل وحيدة وقد تحتاج شيئاً أو تخاف من غياب زوجها … إلخ وهن نائمات في منازلهن بعيداً عنها.

في الرقة الجميلة عاقب “أبو صبري الكردي” ولده الذي أشعل التلفاز في وقت كان جارهم المسيحي قد نصب خيمة عزاء لأمه العجوز المتوفاة، فقد وضع ألف حساب لشعور جاره المفجوع بغياب والدته يقول “الهويدي” ويضيف:«بينما لم يؤخذ بالحسبان شعور أهالي الرقة وهم يتعايشون مع داعش وهم يدفنون ضحاياهم من القصف والغارات والمعارك».

اقرأ أيضاً:الضحايا في الرقة والعزاء في اللاذقية

في مدينة عبد السلام العجيلي كان الحب ينثر عطره بين الصبايا والشباب ..لدرجة ان الصبايا حين يعترص الأهل على ذلك يستنجدن بالدكتور عبد السلام ويرددن في الأعراس خاصة غربي طاحونة “عياش” (حس النجر بالليل وآني دخيل الدكتور عبد السلام العجيلي) – النجر هو الهاون الخشبي لدق البن_ أما على زمن داعش وأيامه السوداء أصبح الحب زناً يعاقب عليه المحبين بالرجم حتى الموت تقول “نجوى العجيلي”.

في “رقة المأمون” كانت وجوه الناس تبقى مكفهرة بعد كل مخاصمة أو خلاف أو مشكلة في مدينتهم حتى يشاهدوا تلك المحرمة البيضاء تطوف في شوارع الرقة معلنة انتهاء أحد قضايا الثأر أو الخلاف أو المخاصمة بين أبناء المنطقة المتخاصمين الذين أصلح فيما بينهم كبير الحي أو كبير العشيرة؟!، لقد كان للكبير دوراً منقطع النظير في الرقة، يتسائل “الهويدي” فهل سيعود الكبير ودوره اليوم؟ ويجب بنفسه:«إنني عائد لأعيد ما استطعت من تلك الطقوس».

لقد فعلت الحرب الكثير بالرقة وأهلها المشردين لكنها لم تغير مابداخل الكثيريين منهم من ارتباط بتلك الأرض الطيبة وبذلك المجتمع المتسامح المتعايش، وهاهو الشيخ “بوزان الهويدي” يثبت ذلك من خلال حكايته مع السيارة التي رآها وقد ركنت على يمين الطريق في “القامشلي” وكتب على نمرتها “الرقة” فراح كل يوم يأتي إلى المكان الذي ركنت فيه ينتظر صاحبها ليعرف إذا كان من الرقة لكي يتواصل معه، وقد نجح في ذلك بعد الأيام من الانتظار وراح يتواصل مع صاحب السيارة كل يوم فقط لأنه من الرقة الجريحة التي لابد أن يأتي يوم يضمد فيه أهلها جراحهم وجراحها وعساه قريباً.

اقرأ أيضاً:الرقة.. حين لا يتبق لك من مدينتك إلا لوحة باسمها!

حمود القاسم بنى الرقة فكافأه القدر!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى