إقرأ أيضاالرئيسيةتقاريريوميات مواطن

الهاربون من الرقة: أنقذه ابنه المصاب بسرطان الدم

مرةً أخرى يقف الواقع المأساوي للسوريين عائقا أمام أبسط أحلامهم في العيش ضمن أسرة واحدة بعيداً عن الخوف والألم. حيث يقول أبو عبد العزيز أحد الهاربين من الرقة: “لم أكن أريد مغادرة منزلي في الرقة لوجود أمي العاجزة والتي لا تستطيع التنقل إلا من خلال كرسيها المتحرك”.

سناك سوري – عفراء بهلولي

هذا الرجل واحد من مئات السوريين الذين اختاروا الهروب من قبضة تنظيم داعش في الرقة. وهو يروي تفاصيل هروبه لـ “سناك سوري” قائلاً: بعد أن غادر جميع أشقائي المحافظة بقيت أنا وأخي الصغير مع عائلتي وأطفالي بجانب أمي فهي بحاجة لوجود معيل لها. لكن كنا قد تأقلمنا على وجود داعش واخترنا أسلوبا للتعايش ضمن هذه المنظومة المخيفة فالمفاضلة بين أن تترك والدتك والهروب أو البقاء ضمن الجحيم هو خيار صعب ولكنه ليس بحاجة للتفكير كثيرا.. بكل تأكيد سترجح لجهة البقاء.

ورغم محاولات أبو عبد العزيز المتكررة في البحث عن “مهرّب” يقوم بتهريبهم من الرقة نحو بر الأمان. لكن محالته قد فشلت. فلم يقبل أي “مهرب” تهريب أمه العاجزة التي ستكون عبئاً كبيراً في رحلة طويلة محفوفة بالموت والخطر. إلى أن حدثت الكارثة. يقول أبو عبد العزيز: “بتاريخ 15-2-2017 قامت داعش باختطاف أخي الصغير البالغ من العمر 14 عاما من أجل تجنيده ضمن صفوف التنظيم. كما وصلتني تهديدات عدة أنه سيتم سوقي للقتال مع داعش أيضاً. لم يتركوا لي خياراً آخراً. كان لابد من الهرب.. دون أمي.

بكثير من الحرقة والألم تركتها وغادرت. كما يضيف: “أنتم تسمعون عن داعش لكنني عشت معه. لن تتخيلوا مهما حاولتم ماذا تعني الحياة هناك. حملت أطفالي وأمتعتي وانضمت إلينا ابنة أختي وطفلها لنغادر الرقة وأمي العاجزة.”

مقالات ذات صلة
اقرأ أيضاً: حامد محمد يفتقد بادية الرقة وينتظر العودة مع عائلته وقطيعه

وهكذا بدأت رحلة العبور من الموت إلى الحياة. كان الموت محيطاً بالجميع وكل الخيارات متاحة. خيار النجاح بالعبور كخيار الموت وفي كلتاهما خلاص للجميع. في كلتا الحالتين نحن هاربون من الرقة. يقول أبو عبد العزيز: كان علينا أن نتجاوز خوفنا أولا لنقدم على هذه الرحلة.. قرار قد أخسر بسببه عائلتي أمامي بأبشع طرق القتل والتعذيب. بعد اتخاذ القرار لابد من الدفع للمهرب وهو أمر ليس بالسهل فتكلفة تهريب الشخص الواحد 75 ألف ليرة. والأطفال مادون الخمس سنوات يتم تهريبهم ببلاش. وهكذا دفعنا وبدأ طريق “الخلاص” من الحرب في الرقة. كان طريقاً طويلاً ومضنياً تناوب علينا عدة “مهربين” كل واحد منهم مختص بمنطقة معينة”.

يضيف: كان برفقتنا الكثير من العائلات والتي  تبحث عن الخلاص مثلنا. هاربون من الرقة. صعدنا إلى السيارة وانطلقنا حتى وصلنا لآخر منطقة في الرباط. حيث انتظرنا المغرب لبدأ المرحلة الأصعب وهي المشي. حملت الأغراض واثنين من أولادي الصغار. ووصلنا لمنطقة أخرى استلمنا فيها “مهرب” جديد أوصلنا لمنطقة الأمان من تنظيم داعش.

قد يعتقد القارئ أن الهاربين من جحيم داعش قد تنفسوا الصعداء بعد ابتعادهم عن أماكن سيطرة التنظيم. إلا أن الهاربين منه وحدهم يعلمون أنهم أمام طريق أكثر خطراً. للوصول إلى بر الأمان بشكل كامل لابد من عبور بستان الألغام. وبستان الألغام هو اسم يطلقه أهل الرقة الهاربون على المنطقة الفاصلة بين الخلاص وداعش فقد قامت الأخيرة بزرع الألغام على مسافة 200 م. حيث يقوم المهربون بنزع الألغام بحيث تتسع لمسير شخص واحد وتسير قافلة الهاربين واحدا تلو الآخر كقطار قديم بطيء السير (توفي الكثير من الناس في ذلك البستان الملعون فأحيانا بعد أن يقوم المهربون بنزع الألغام وتأمين الطريق للهرب يعود مجندو داعش لزرع الأرض بالألغام) حملت طفلي الصغيرين وسرنا بعد مسير حوالي 6كم وحين بدأ الليل رأينا أضواء خافتة من بعيد أشار المهربون أن هذه الأضواء تابعة لحواجز قوات سوريا الديمقراطية وأن علينا متابعة المسير وحدنا. فقد انتهت مهمتهم.

اقرأ أيضاً: الإدارة الذاتية توقف صحفي عن العمل لأنه صوّر الواقع المعيشي بالرقة

الهاربون من تنظيم داعش وحقل ألغامه وجشع المهربين. كان عليهم المشي لـ 20 كم أخرى للوصول إلى حواجز سوريا الديمقراطية. يقول الرجل:كان الليل قد حل وطاقتنا قد استنفدت تماماً. ولابد من الراحة لنستطيع أن نكمل. نمنا في منزل مهجور جميعنا. وبدأ المطر بالإنهمار كانت تلك أكبر كمية من المطر كنت قد رأيتها في حياتي. استبشرنا خيراً وكأنها علامة الفرج والنجاح بالخلاص.

المطر الذي اعتبروه ليلاً بشرى الخلاص. تحول صباحاً إلى عقبة جديدة تعيق تحركهم. فاضطروا أن يمشوا حفاة في الوحل طيلة الـ 20 كم المتبقية. وبكثير من المعاناة وصلوا إلى الحواجز وذهب هم داعش والألغام إلى غير رجعة. يقول أبو عبد العزيز: “عد إجراءات التفتيش والتفييش قاموا بنقلنا بالسيارات إلى المعسكر التابع لهم. وضمن المعسكر وجدنا مئات العائلات العالقة. سوريون وعراقيون هاربون من جحيم داعش مثلهم مثلنا.

يتابع: في المعسكر الداخل مفقود والخارج مولود. فالخروج كان مستحيلاً إلا لحالات نادرة الحمد لله كنت إحداها. في طريق بستان الألغام سابقاً كنت قد رميت كافة أمتعتي لأستطيع حمل ولدي الصغيران. إلا أنني احتفظت بأوراق ابني عبد العزيز المصاب بسرطان الدم وفقد إحدى كليتيه أعتقد أن الله قد ألهمني كي لا أرميها فهي كانت السبب في خلاصي من المعسكر بعد أن أريتها لمديرته وسمحت لي بالخروج.

الأوراق التي خرج بموجبها من المخيم

بحسب أبو عبد العزيز فإن المعسكر لا يمتلك أي صفة إنسانية في التعامل مع الهاربين من داعش. هناك الجميع فقد ضميره. هاربون من الرقة. هاربون من داعش. حتى ان كنا هاربين من الموت. لا يهم. كما يذكر أبو عبد العزيز لـ سناك سوري كيف أن رجلاً توسل مديرة المعسكر أن تسمح لزوجته المصابة بعثر ولادة بالخروج للعلاج. لتقول له المديرة بكل سخرية: إذا ماتت بيفضى محلين لغيرها هي وابنا الي رح تجيبو. أجل لقد تجرد الجميع من إنسانيتهم. ليس داعش وحده الوحش. كثيرون من أصبحوا وحوشاً مجردة من الإنسانية.

اقرأ أيضاً: البنتاغون يستدرك: نمنع داعش عن نفط سوريا .. واعتقال مختار بالرقة

نجح أبو عبد العزيز ووصل إلى القامشلي ومنها إلى مطار دمشق الدولي ومن ثم تابع طريقه إلى مستشفى تشرين الجامعي لعلاج ابنه. حيث استقر في  بيت قريب من المستشفى.

يقول أب الأطفال الستة إن الأصعب من رحلة الخروج من الرقة مهمة تأمين الأدوية. فهي باتت مرتفعة الثمن جداً ونحن مهجرون من منازلنا فاقدون لأرزاقنا. وفي نفس الوقت عليَّ تأمين مصروف العائلة ومصروف العلاج.

بذلك تبدأ رحلة جديدة من المعاناة. هذه المرة داعش ليس مسؤولاً عنها وحده. فهناك مسؤولون كثر من المجتمع الدولي الذي يفرض عقوبات على البلاد تصيب قطاع الصحة وصولا لمسؤولية الحرب والمتحاربين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى