الرئيسيةشخصيات سورية

“فاروق الشرع” بارز وفد الاحتلال في “مدريد” وعارض الحل الأمني في “دمشق”

من الطيران إلى السفارات ووزارة الخارجية إلى نيابة الرئيس واعتزال الظهور

سناك سوري _ محمد العمر

يعود المشهد إلى العام 1991 أثناء انعقاد مؤتمر السلام في “مدريد” بمشاركة وفدٍ سوري يترأسه وزير الخارجية آنذاك “فاروق الشرع”.

حينها وقف رئيس حكومة كيان الاحتلال “إسحاق شامير” واتهم في كلمته “سوريا” بأنها دولة “إرهابية” وعكس خطابه الهجومي عدم جديّة الاحتلال في التفاوض من أجل السلام.

في تلك الأثناء طلب الوزير “الشرع” من مساعده حينها الوزير الراحل “وليد المعلم” إزاحة الخطاب المجهّز لإلقائه لأنه سيكتب خطاباً جديداً، ويروي “المعلم” في أحد البرامج الوثائقية أنه حاول ثني “الشرع” عن ذلك وتذكيره بأن الخطاب كلّفهم 7 ساعات من الوقت لإعداده بينما لم يتبقّ سوى 15 دقيقة كي يلقي “الشرع” كلمته لكنه لم يقتنع.

يقف وزير الخارجية السوري أمام الوفود المشاركة ويرفع أمامهم صورة لـ”شامير” تعود للعام 1948 حين كان مطلوباً للعدالة بسبب انضمامه لعصابة “شتيرن” الصهيونية المتورطة بقتل المبعوث الأممي إلى “فلسطين” آنذاك الكونت “فولك برنادوت”، كان هجوم “الشرع” غير متوقع وسرعان ما بدا أثره واضحاً على وجوه الإسرائيليين الممتقعة.

يصادف اليوم ذكرى ميلاد “فاروق الشرع” عام 1938 ورغم أن عائلته تنحدر من مدينة “درعا” إلا أنه ولد في “محردة” بريف “حماة” حين كان والده موظفاً كثير التنقل بين المحافظات وفق ما يذكر في كتاب مذكراته “الرواية المفقودة”.

تنقّل مع عائلته في سنوات طفولته بين “محردة” و “عربين” و “دوما” و “النبك” إلى أن عادوا للاستقرار في “درعا” منتصف الأربعينيات، حيث درس “الشرع” المرحلة الابتدائية في مدرسة” المتنبي” وعاصر في ذلك الحين نكبة “فلسطين” وتدفق اللاجئين إلى “سوريا” والحديث عن الحرب القائمة هناك ومشاركة الجيوش العربية فيها.

بعدها بسنوات يدخل “الشرع” جامعة “دمشق” طالباً في “الأدب الإنكليزي” رافق ذلك اضطراره للعمل إلى جانب الدراسة لتأمين مصروفه الشخصي، فيما كانت تلك السنوات تغلي بالأحداث السياسية في المنطقة والانقلابات في الداخل وما يصحبها من نقاشات صاخبة في أوساط الشباب السوري وضمنهم “الشرع” الذي انضم إلى صفوف حزب “البعث”.

اقرأ أيضاً:المعارضة تريد فاروق الشرع رئيساً لسوريا

يتحدث “الشرع” عن فترة الوحدة السورية المصرية بوصفها أول وحدة بين قطرين عربيين، إلا أنها لم تدم أكثر من 3 سنوات اعتبر “الشرع” أن أحد أهم أسباب انهيارها ووقوع جميع الهزائم منذ 1948 هو الفصل بين مبدأي الوحدة والحرية فيقول «الانفصال حتمي إن لم تتحصن الوحدة بالحرية، حرية الوطن من التبعية وحرية المواطن من الظلم»

بعيد الانفصال تعرّف “الشرع” إلى الرئيس الراحل “حافظ الأسد” عن طريق الضابط “إبراهيم الرفاعي” الذي كان صديقاً مشتركاً للرجلين، ويذكر “الشرع” اللقاء الأول بالرئيس “الأسد” خلال عمله في مؤسسة “النقل البحري” قبيل قيام “البعث” بثورة 8 آذار 1963.

عمل “الشرع” في الشركة السورية للطيران والتي كانت تتبع آمرية القوى الجوية التي يقودها “الأسد” الذي أصبح وزيراً للدفاع وكانت علاقة العمل سبباً للتواصل المستمر بين “الشرع” و “الأسد” حتى بعد انتقال “الشرع” إلى “لندن” إثر تعيينه مديراً إقليمياً لشركة الطيران السورية في “بريطانيا”.

عام 1976 دخل “الشرع” السلك الديبلوماسي السوري، وبينما كانت الأخبار المتداولة أنه سيصبح سفيراً في “تنزانيا” اختير ليكون سفير “سوريا” في “إيطاليا” حيث استمر لأربع سنوات عيّن بعدها وزيراً للدولة للشؤون الخارجية عام 1980 كما عمل أواخر العام 1983 وزيراً للإعلام بالوكالة بسبب تردي حالة الوزير “أحمد إسكندر” الصحية.

على الرغم من معارضة الوزير السابق حينها “عبد الحليم خدام” إلا أن الرئيس “الأسد” اختار “الشرع” وزيراً للخارجية عام 1984، وبقي “الشرع” في منصبه مع تعاقب الحكومات وتغير الوزراء حتى بعد رحيل الرئيس “الأسد” عام 2000 واستمر على رأس الخارجية السورية حتى العام 2006 حينما أصبح نائباً للرئيس “بشار الأسد”.

خلال السنوات الطويلة من عمله في وزارة الخارجية أثبت “الشرع” جدارة في توليه المنصب واعتُبر واحداً من أهم وزراء الخارجية في المنطقة خلال عقد التسعينيات، فقد كان الوجه الأبرز في خوض محادثات السلام في “مدريد” و”جنيف” دون أن يتمكّن منه الإسرائيليون أو الأمريكيون رعاة المحادثات.

ترأس “الشرع” مع بداية الأزمة السورية مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في “دمشق” في تموز 2011 دعا خلاله إلى تحكيم ثقافة الحوار بين السوريين للخروج من الأزمة والوصول إلى التحول الديمقراطي بطرق سلمية ووصّف “الشرع” ما كان يجري حينها بأنه “تظاهر غير مرخّص يجرّ إلى عنف غير مبرر”.

ظهر “الشرع” ميّالاً إلى الخوض في السياسة بدل المواجهة العسكرية إلا أنه لم يجد آذاناً صاغية في ذلك الحين رغم تحذيراته من تدهور الأمور والانزلاق أكثر نحو العنف كما جرى لاحقاً، وخلال حديثه لصحيفة “الأخبار” اللبنانية في كانون الأول 2012 اعتبر “الشرع” أن الحل الوحيد للأزمة يجب أن يكون سوريّاً من خلال تسوية تاريخية تتضمن وقف العنف وتشكيل حكومة وحدة وطنية ومعالجة الملفات المتصلة بحياة الناس ومطالبهم المحقة.

لم يعد “الشرع” نائباً للرئيس بعد الانتخابات الرئاسية عام 2014 حين وصل إلى السادسة والسبعين من عمره، إلا أن ذلك أدى إلى تزايد الإشاعات المنتشرة حول وضعه في الإقامة الجبرية تارة وانشقاقه تارة أخرى وغيرها الكثير من الشائعات التي طالته ولم يكن معنياً بالرد عليها.

اعتُبر “الشرع” وجهاً مقبولاً حتى لدى المعارضة التي طالبت عام 2017 أن يترأس مؤتمر الحوار الوطني في “سوتشي”، ورغم أن ذلك لم يحصل إلا أنه حمل دلالة على مكانة الرجل الوسطية وتوازن طروحاته.

خلال العام 2018 ظهرت صور “الشرع” إلى جانب الرئيس “الأسد” في عزاء اللواء “ماجد العظمة” زوج نائب رئيس الجمهورية “نجاح العطار” لتكون تلك الصورة بمثابة نفي غير مباشر للشائعات التي تدور حول وضعه.

لا يمكن إنكار الدور الذي لعبه “الشرع” خلال وجوده في السلطة وحتى بعد خروجه منها، ويعتبر كتاب مذكراته وثيقة مرجعية هامة لواحدة من أبرز المراحل في تاريخ “سوريا” المعاصر.

اقرأ أيضاً:هل يترأس “الشرع” مؤتمر سوتشي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى