الرئيسيةرأي وتحليل

عفوا “ونوس” ومعذرة لسنا محكومون بالأمل بل محكومون بالانتظار..

سناك سوري – شوكت أبو فخر

بعد 22 عاما على مقولة المسرحي السوري “سعد الله ونوس” (إننا محكومون بالأمل) بتنا للأسف نترحم على تلك الفترة، ويبدو أن قدرنا كسوريين أن نبقى رهائن انتظار، لا مناص منه نرزح تحته، ونرتضي به، أو نمتثل لما يحمله لنا…

ليست خلّبية تلك الآمال التي نشدتها يا “ونوس”، لكن اليوم، أي أمل لنا أو لأبنائنا أو لأحفادهم أو لأبناء أحفادهم.

نقدّر أنك تعرف الانتظار يا سيدي لكن قد لا تعرف ألوانه، سوف نحدثك  بشيء من الاختصار كي لا يفوتك شيء من الكوميديا السورية السوداء.

في السياسة ننتظر قمة “ثنائية” و”ثلاثية” و”رباعية” أيضاً، وربما قمة موسعة لاحقا، والجميع يتحدث عنّا كشعبٍ سوري صاحب السيادة والحق ويقولون إنه من حقنا أن نقرر مستقبل بلدنا، وفي يومياتنا لازلنا كما تعرفنا ننتظر زيادة الرواتب، أو ننتظر الكهرباء، أو الغاز، أو المياه وقد مللنا من انتظار العبور على حاجز، دون أن نستطيع أن ننبس ببنت شفة.

ربما يكون قدر السوريين، أو ما تبقى منهم “الانتظار”، فالسوريون إذا لم يكونوا على موعد مع الانتظار كانوا على موعد مع الفاجعة، أي فاجعة، وكأن القدر خانهم، دون غيرهم من باقي شعوب الأرض، ينتظرون ولا يملون،  ويلوذون برأسهم كي يمر يومهم بأقل قدر من الخسارة، وكالعادة يتقيأون وهم يسمعون الشعارات الكبيرة.

سوف يتبرأ الجميع من كونه أباً لهذا الانتظار ولهذه الفاجعة، ويرمي بسوادها بملعب الاخرين.

قد يكون الحديث عن قتل أو خطف أو ترهيب أو سجن أو تهجير أو هجرة من يوميات السوريين، لا أحد يستطيع أن ينكر أنه مر عليه أو على أقاربه وأصدقائه ومعارفه شيء من هذا أو كله، أسماء وأرقام باتت من الماضي، ومشاريع أحلام باتت بخبر كان أو من الماضي.

نعم الأمل بعيد وأسوأ ما في هكذا أوطان أنها تشبه المقابر… من بداخلها لا يستطيعون الخروج منها…ومن هم خارجها لا يرغبون بالدخول إليها..

الانتظار في حالته السورية الراهنة، هو حالة قهرية، حالة رعب لا نستطيع أن نجاهر بها، والنقاش في تفاصيلها، فيه اختزال للعقل والبقاء ضمن ثقافة الخوف القائمة على التفكير المزدوج.

أنت تعرف ولا تعرف بأنٍ معاً، أن تعي الحقیقة الصادقة كل الصدق وترى بدلاً منھا كذبات موضوعة بعنایة، وأن یكون لدیك في اللحظة نفسھا وجھتا نظر متباینتان وأنت تعتقد، وتؤمن، بھما كلیھما، وأن تنسى ما تدعو الضرورة أن تنساه، ثم تستعیده إلى الذاكرة في اللحظة التي تحتاج فیھا إلیه، ثم تعود فتنساه مرة ثانیة.

والأنكى من ذلك كله، أن تطبق الطریقة نفسھا في حالة الإیجاب والسلب.

يا سيدي، ما تمر به سوریة خطیرٌ جداً وبكل المقاییس نقسم بذلك، لكنه یتطلب تسمية الأمور بمسمياتها الدقيقة، وتجاوز  الخوف واعتبار الرأي الآخر حالة “خیانة”.

وبقدر مانعي ذلك ونبتعد عن التعاطي المفوت بصوره الشاعریة والعاطفیة والخطابیة، بقدر ما نكون بدأنا تلمس الطریق الصحیح  للخروج من النفق، وبقدر ما يصبح الانتظار ذو معنى كالطفل الذي ينتظر أباه وهو عائد من السوق يحمل له  هدية، عندها فقط يمكن أن نطمئن على مستقبل أبنائنا ونعيد من جديد أننا محكومون بالامل، أما غير ذلك فسيكون حالة قهر جديدة، وتذهب مشاريع الأحلام تحت سخرة الشعارات.

لیست “خیانة” أن تعلي صوتك أمام العالم وتكتب دفاعاً عن الوطن بالمفھوم الحضاري الواسع الذي یتسع للجمیع، ولیست الخیانة أن تجاھر برأي أمام ببغاوات لم تعتد أن تسمع رأياً آخر، “الخیانة” ھي أن تستمر ھذه العقول المسطحة في العمل وتقییم الآخرین وإعطائھم شھادات في  الوطنية والانتماء وحسن السیرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى