الرئيسيةرأي وتحليل

سوريا والعالم العربي…. ماخرجت منه دمشق لن تعود إليه

هل تنسجم دمشق مع العالم العربي الجديد؟

مضى 10 سنوات كاملة على القطيعة التي فرضت على سوريا مع محيطها العربية وبدء عودة العلاقة من بوابة زيارة وزير الخارجية الإماراتي “عبد الله بن زايد” إلى دمشق والذي سبق له شخصياً أن كان رأس حربة في المواجهة مع حكومة سوريا.

ربما للوهلة الأولى ينظر البعض إلى هذا التحول بفرح شديد (العلاقات بين الأشقاء) تستعيد عافيتها، والبعض الآخر يذهب بعيداً ليرى الصورة التي كانت عليها العلاقات في 2011 ويتخيلها أمراً واقعاً قريباً، فالتركيز كله منصب باتجاه واحد رئيسي مفتاحه دعوة سوريا للقمة العربية القادمة وبذلك تعود للمحيط العربي!!.

لكن هل اجتماع لجامعة الدول العربية يمكن أن يعيد سوريا إلى ماكانت عليه قبل عام 2011 بعلاقاتها مع العرب وحتى بدورها؟ تحتاج الإجابة على هذا السؤال محاولة مراجعة الواقع بين لحظتين الفارق بينهما 10 سنوات.

لقد تغيرت الكثير من الأشياء خلال السنوات العشر الماضية، وتغيرت استراتيجيات دول العالم العربي بشكل كان من الصعب تصوره سابقاً، فلم يعد هناك “نظام القذافي ولا مبارك ولا بوتفليقة ولا حتى البشير وبن علي”، والدول التي كانوا يقودونها ماعادت بذات السياسة التي كانت تنتهجها سابقاً وأصبحت أولوياتها بعيدة جداً وحتى أدوارها عما كانت عليه سابقاً.

من ناحية أخرى لدينا عدة دول عربية تشهد حالة يمكن وصفها “بعدم اليقين”، فليس من المعروف كيف سيكون مستقبلها القريب ” العراق واليمن وليبيا والسودان وحتى تونس ولبنان”، كما أنه ليس من المعروف إلى أين يمكن أن تصل حرب اليمن التي تعد حالياً الأكثر تعقيداً بالمنطقة وتأثيرها جوهري على طبيعة العلاقات فيها.

اقرأ أيضاً: معابر الدول مفتوحة وطرق السوريين مغلقة – بلال سليطين

وفي هذه الدول ينقسم العرب إلى تحالفين واضحين متواجهين علناً ولديهم أجندات مختلفة وسياسات مختلفة ويدعمون أطرافاً ضد بعضها في هذه الـ 7 دول عربية، ولديهم مواقف منقسمة أيضاً من قضية فلسطين، فتحالف الإمارات الذي طبع مؤخراً مع الاحتلال يريد علاقة جيدة مع دمشق، بينما تحالف قطر الذي يهاجم المطبعين شكلاً هو بعيد كل البعد عن دمشق بل ويريد تضييق الخناق عليها.

أما قضية فلسطين التي كانت تقريباً قضية العرب الأولى في 2011 لم تعد على ما كان عليه، وحالة الخجل التي كانت تظهر على بعد الدول العربية آنذاك تلاشت وأصبح هناك علاقات مباشرة مع إسرائيل يترتب عليها التزامات من الدول المطبعة تجعل قضية فلسطين بالشكل الذي كانت مطروحة عليه قبل 10 سنوات غير موجودة وتقدمها وفق تصور جديد ومنهجية مختلفة جداً عما تراها دمشق اليوم وأمس.

اقرأ أيضاً: هل نحن حقاً عاجزون؟ بلال سليطين

بالمحيط العربي المؤثر أيضاً يتربص جاران لدودان تاريخياً وتشخص عينيهما على المنطقة وتلعب سياستهما فيها “تركيا وإيران” الذين انتقل دورهما من سياسة بناء التحالفات والعلاقات مع حكومات المنطقة المنطقة إلى التواجد على الأرض والسيطرة وحتى بسط النفوذ، بينما بالجهة الأخرى كان العالم العربي شبه منقسم بين من هو قريب من تركيا ومن هو قريب من إيران وأولهم سوريا، وبين من يعادي تركيا أو يعادي إيران أو يعادي الإثنين معاً، إلا أن بين بعض الدول العربية من يخوض مواجهة ضد سياسات إيران وتركيا المنفصلة وهذه المواجهة على أشدها حالياً حتى وإن بدت أقل حدة تجاه تركيا فقط.

بالمقابل في عام 2011 بعيداً عن قضية فلسطين لم يكن هناك أي دولة تشهد حروباً على أرضها باستثناء العراق، والخلافات العربية لم تصل حد الانقسام، والعلاقة مع إيران كانت مضبوطة وكثيراً ما يرسم إيقاعها في دمشق (وهو ربما ما يأمل العرب بعودته إلى دمشق)، أما تركيا فكانت صور رئيسها “أردوغان” ترفع في بعض عواصم العرب، والسياسات العربية كانت قائمة على قواعد خمسينات القرن الماضي والمد العروبي وفي حال مخالفتها يكون الأمر بخجل وليس علنياً…إلخ.

في ظل كل هذه التغيرات كانت سوريا تشهد حرباً ضروساً على أراضيها وكان للعرب دور أساسي فيها وفقاً لمصالحهم ومتغيرات سياساتهم وأولوياتهم، وبينما كان الجميع يتغير من حولنا كانت سوريا تحافظ على سياساتها كما كانت عليه عام 2011 وهي تتجلى في أدبيات وزارة الخارجية والمواقف من القضايا في المنطقة وتتمحور حول العمق العربي والدور العربي المشترك والموقف ووإلخ، وتعبر بوضوح عن رغبتها للعودة إلى قواعد اللعبة السياسية كما كانت عليه قبل 10 سنوات، وهو ربما ما عبرت عنه صحيفة البعث في محتواها المقدم مابعد الزيارة.

فعلياً تغير كل شيء من حولنا ومازالت سوريا فقط في نفس الدائرة، وتدور في أولويات ومبادئ وسياسات لا ينسجم معها معظم العالم العربي اليوم بما فيه الدول الراغبة بإعادة العلاقة، وهو ما يجعل حدود العلاقة مع العرب متوقفة على التغيير التي تستطيع دمشق القيام به ومدى قبولها للتغير الذي حدث من حولها وقدرتها الانسجام معه والمرونة نحوه.

سناك سوري – بلال سليطين

اقرأ أيضاً: الله يرحمه/ها … جريمة الحرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى