الرئيسيةرأي وتحليل

معابر الدول مفتوحة وطرق السوريين مغلقة – بلال سليطين

ملفات سوريا الإنسانية على طاولة التفاوض السياسي

سناك سوري – بلال سليطين

قبل حوالي شهرين كنت أحضر مؤتمراً حول سوريا يشارك فيه مجموعة من السوريين الذين يمثلون خلفيات متنوعة وبعضهم منقسمون بشكل حاد وفقاً لاصطفافات الصراع السوري وتوزع جغرافيات السيطرة في البلاد، وكان موضوع المساعدات الدولية التي تدخل عبر المعابر الخارجية ولا تمر عن طريق الحكومة السورية حاضراً على طاولة النقاش.
جزء من السوريين الحاضرين كان جل همهم موضوع تجديد المعابر وقد قدموا مبرراتهم الإنسانية وبينوا حاجة المناطق لهذه المساعدات التي تدخل عبر الحدود، وطالبوا بأن يكون هناك توصية بتسهيل مرور مساعدات الأمم المتحدة عن طريق المعابر الخارجية، في الأثناء طالب أحدهم بإضافة كلمة “الداخلية” أيضاً لتصبح “المعابر الداخلية والخارجية”، فرد عليه المطالبون بالمعابر بالرفض قطعاً، وتأكيد أن طلبهم حصرياً للمعابر الخارجية ويرفضون المساعدات الإنسانية عبر معابر داخلية، واحتدم النقاش طويلاً بين أخذ ورد على “الخارجية” فقط و”الخارجية والداخلية” معاً، وفي نهاية المطاف حذفت التوصية لأنه لم يتوافق عليها كاملة.

اقرأ أيضاً: هل يأخذنا لبنان معه حيث يذهب؟ – بلال سليطين

وفي المحصلة تغلبت طريقة ادخال المساعدات على أهميتها بالنسبة لمجموعة من السوريين الذي يقود بعضهم منظمات مدنية تمول بمئات ملايين الدولارات ويتصدى بعضهم الآخر لحملات مناصرة عالمية على قضايا إنسانية تتناسب مع خلفياته. فكان شرط الطريقة  الذي تمر عبره المساعدات أولوية أكثر من مناصرة وصولها بمختلف الطرق المتاحة، وبغض النظر عن أهمية المساعدات العابرة للحدود بالنسبة لشريحة من الحاضرين فإن رفض المساعدات التي تمر بين المحافظات السورية وتجتاز حواجز الأمر الواقع التي فرضتها الحرب وتصل للسوريين في كل المناطق كانت محط رفض. رفض مخيف يساهم في تكريس الأمر الواقع والحواجز بين الجغرافيا السورية في الشمال الشرقي والجنوب الغربي وباقي سوريا.
أستعيد هذه الحادثة على وقع إقرار مجلس الأمن لتمديد العمل بالمساعدات الأممية العابرة بالحدود لعام إضافي، بعد أخذ ورد وجولات طويلة في مجلس الأمن وفي كواليسه بين الأفرقاء الدوليين اللاعبين بالملف السوري، مفاوضات غاب عنها السوريون سواء الذين يطالبون بمساعدات تمر عبر الخارج فقط أو تمر عبر الداخل والخارج، وحضر ممثلون عن دول أخرى _اختلفوا، وتفاوضوا_ وفي نهاية المطاف اتفقوا، لكن بقي السوريون مختلفون و”بيضهم في سلة غيرهم” كما يقال بالعامية.
موضوع المعابر الدولية يفتح الباب واسعاً على الحديث بالملف الإنساني بسوريا، وما نطرحه هنا بعيد كل البعد عن تصدير موقف سلبي من وصول المساعدات الإنسانية عن طريق المعابر، وإنما هدفه توسيع مروحة النظرة الإنسانية للملف السوري ورؤية سوريا كلها، ففي الوقت الذي يحتاج فيه سوريون للمساعدات الإنسانية العابرة للحدود وهي حقهم ويجب أن يحصلوا عليها بكل الطرق وليس من طريق واحد، فإن هناك سوريين آخرين في مناطق أخرى يعانون من ظروف إنسانية قاهرة وهم خارج دائرة الاهتمام والتداول الدولي.

اقرأ أيضاً: تعثر اللجنة الدستورية أكبر من خلاف على أجندة اجتماع- بلال سليطين

إن الدول التي حملت راية المعابر دولياً وأصرت على أهميتها الإنسانية وجعلت هذه القضية تتصدر وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ورفضت تسييس الملف الإنساني وهو مطلب مشروع بالمطلق ويجب التأكيد عليه وتنفيذه بكل الاتجاهات، وإجراء فصل تام بين الملفات الإنسانية والملفات السياسية، فهذا الربط هو إساءة للإنسانية وإساءة للمجتمع الدولي، لكن هذه الدول هي من تمارس هذا الربط، وبالمناسبة كل الدول المنخرطة بالصراع السوري تسيس الملف الإنساني ولا أقصد تبرئة دول وإدانة أخرى فالكل في سوريا مدان.
إن فصل الملف الإنساني عن السياسي يتطلب بلا أدنى شك عدم اتخاذ العقوبات الاقتصادية كوسيلة ضغط سياسي فهذه العقوبات يدفع ثمنها المواطنون البسطاء من جهة ومن جهة أخرى تعزز الفساد وتنمي ثروة تجار الحرب، يقول قائل إن هذه العقوبات على (النظام) وليست على الشعب، وهذه حجة تدحضها مئات الدراسات والبيانات والتحققيات الدولية، وفرط الامتثال لهذه العقوبات لوحده كافٍ بتجويع دول مستقرة لاحروب فيها فكيف بدولة خارجة من حرب كسوريا.

اقرأ أيضاً: هل نحن حقاً عاجزون؟ بلال سليطين

إن فصل الملف الإنساني عن السياسي يتطلب البدء بمشاريع إعادة الإعمار وعدم ربطها بالحل السياسي، فالناس بحاجة إلى منازل يعودون لها، إلى بنى تحتية وخدمات في مناطق دمرتها الحرب. والأطفال يريدون مدارس يحصلون على حقهم بالتعليم من خلالها بدل مدارسهم المدمرة، والأسر تحتاج إلى عيش كريم واحتياجات مؤمنة بدل قطع كل طريق على وصول الموارد إليهم، يحتاجون أن لا يبقوا في خيمة هنا أو هناك بانتظار حل سياسي قد يأتي وقد لا يأتي.
كما يتطلب هذا الفصل بين الملفين، عدم قطع الدعم عن مناطق كان يدخلها مئات ملايين الدولار شهريا كالغوطة ودرعا وريفي حمص واللاذقية الشمالي وأحياء حلب، لأن السلطات في دمشق سيطرة على هذه المناطق، أليس تقليص الدعم والتمويل لهذه المناطق وتغيير محتواه وأولوياته تسييساً للملف الإنساني، علماً أن المانحين لهذه المناطق هم ذاتهم من كانوا طوال الوقت يتحدثون عن الأهمية الإنسانية للمعابر من خارج الحدود.
إن فصل الملف الإنساني عن السياسي يتطلب الكثير أيضاً، من إطلاق لسراح المعتقلين والمختطفين وكشف مصير المفقودين، وغيرها الكثير من الملفات الأخرى بلا أدنى شك.

ما تحتاجه سوريا بحق هو وقف تسييس الملفات الإنسانية، هو تعاطي مع سوريا كل سوريا بعين واحدة، لا تميز بين السوريين، وإذا كان الأمل من التعاطي الدولي ضعيفاً وهذه الدول تنظر لسوريا بعين مصالحها، فإنه من الأفضل علينا كسوريين أن نقوم نحن بهذا الفصل الإنساني، أن لا نكرر أخطاء ارتكبت في العشر سنوات عندما كان أحد ما يبكي على أحياء شرق حلب ويشمت بأحياء غرب حلب ، وفي الجهة الأخرى أحد ما يبكي ويشمت بالاتجاه المعاكس، فكلنا نحفر قبورنا بأيدينا.
إننا نحتاج أن لا نفكر فقط كيف نفتح الطرق للخارج بل كيف نفتح طرق الداخل كيف نخترق الحواجز التي رسمت لنا وفرضت على جغرافيتنا، نفكر كيف نعيد شبكة العلاقات بين الجغرافيا، كيف نعيد المجتمع إلى التواصل بدل القطيعة والانقسام الذين لم نجني منهما إلا التدويل والغرق أكثر فأكثر بهذا المستنقع.

اقرأ أيضاً: سوريا: مرحلة عصيان الهضم … بلال سليطين

* ملاحظة تم التحفظ على ذكر الأسماء في المؤتمر التزاماً بقواعد “تشاتام هاوس” التي تم الاتفاق عليها خلاله، والتي تتيح نقل ما حدث دون الإشارة إلى أسماء الأشخاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى