الرئيسيةرأي وتحليل

هل يأخذنا لبنان معه حيث يذهب؟ – بلال سليطين

إدارة أزمة لبنان تتنقل من دفتر الأزمة السورية

سناك سوري – بلال سليطين

من يتابع أخبار لبنان في العام الثاني لأزمته يلاحظ سريعاً أوجه الشبه الكثيرة بينها وبين مثيلتها السورية خصوصاً في عام 2013 ومابعده من انهيارات اقتصادية وأزمات معيشية متلاحقة أنهكت المواطن السوري في ظل عجز حكومي، وتحول الوطن كله إلى حقل تجارب لأفكار إنعاشية فشل معظمها.

في تلك الأثناء التي كانت سوريا تشهد فيها أسوأ واقع عرفته في تاريخها الحديث، كان لبنان مستقراً منتعشاً يحقق فائدة اقتصادية كبيرة من الأزمة السورية التي جعلته ممر العبور إلى سوريا، وبلد اللجوء بمختلف أشكاله وليس فقط لجوء الهاربين من الحرب بحثاً عن خيمة أو سقف يأويهم، وإنما دَخل اقتصاده عشرات مليارات الدولارات لتجار سوريين جعلوا لبنان دولة عملهم وافتتحوا المشاريع فيه هرباً من الواقع المعقد في بلادهم تارةً أو كإجراء احتياطي تارةً أخرى.

اقرأ أيضاً: موظف جمارك فاسد … رجل أعمال – بلال سليطين

كما تقاسم لبنان مع تركيا مساحة التنمية وبناء القدرات السورية ومؤسسات المجتمع المدني السوري، وخلال قرابة 8 سنوات لم يخلُ فندق لبناني من ورشة تدريب أو حوار أو مؤتمر مخصص لسوريا سواء في بيروت أو الجبل، ويشارك في هذه الفعاليات عشرات السوريين الذين تُحجز لهم غرف الفنادق والقاعات..إلخ وتحولت هذه الأنشطة إلى بديل بالنسبة للقطاع السياحي اللبناني الذي كان يعاني حينها من تراجع نسبة السياح خصوصاً الخليجيين منهم.
لا يقتصر الأمر عند هذا الحد فقد تلقى لبنان دعماً دولياً بعشرات المليارات عبر منظمات الأمم المتحدة، أو من خلال مؤتمر دعم مستقبل سوريا، وكذلك دخل إلى اقتصاده عشرات المليارات الأخرى المقدمة لمؤسسات المجتمع المدني لكي تقدم الخدمات لسوريا سواء في مجال التنمية أو الإغاثة، هذا من دون الحديث عن التمويل السياسي والعسكري وووإلخ.

لكن الواقع اللبناني بدأ بالتغير تدريجيا في شهر تشرين من عام 2019 مع اندلاع شرارة الاحتجاجات في البلاد بوجه السلطة القائمة منذ اتفاق الطائف ويقودها أغلب القوى التي شاركت في الحرب الأهلية وينخرها الفساد والطائفية، ومع انهيار حكومة “الحريري” نتيجة ضغط الاحتياجات والحديث عن تهريب مليارات الدولارات إلى خارج لبنان وتمنع المصارف عن تسليم المواطنين ودائعهم، وكذلك امتناعه عن تسليم منظمات المجتمع المدني السوري العاملة في لبنان أموالها المودعة، بدا واضحاً أن الاقتصاد اللبناني مشرف على الانهيار الذي تجلت ملامحه بعد انفجار مرفأ بيروت في آب 2020 والذي تسبب بكارثة إنسانية وأودى بحكومة “حسان دياب” للاستقالة، لكن لبنان السياسي لم ينجح منذ ذلك الوقت في تشكيل حكومة بديلة نظراً لحجم الانقسام وعمق الخلافات.

اقرأ أيضاً: مياه الحسكة.. لم تعد إلى مجاريها – بلال سليطين

تاريخياً لطالما تحدثت القيادة السورية وبعض القيادات اللبنانية عن تلازم المصير بين البلدين والشعبين، ونظراً لهذا التلازم فإن الاقتصاد السوري تأثر سريعاً بأحداث لبنان التي ترافقت مع إقرار قانون قيصر الذي يشد الخناق على سوريا، وتحول الشريان الاقتصادي لسوريا خلال أزمته إلى ساحة استنزاف داخلي ودولي، ومع كل انهيار بأسعار صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار كانت الليرة السورية تنهار معها، حتى أصبح يمكن معرفة مصير الاقتصاد السوري بمتابعة متغيرات الاقتصاد اللبناني.

التأثير يمتد للإجراءات فعلى ما يبدو أن إدارة الأزمة اللبنانية استعانت بدفتر إدارة الأزمة السورية وراحت تتنقل منه الإجراءات، مثل خلق ثلاث أسعار للصرف، استخدام مفردات إعلامية متشابهة كالمؤامرة والخارج، ارتفاع بالأسعار وثبات في الرواتب والأجور، رفع أسعار الخبز والمحروقات، ضعف الرقابة على الأسواق، انتظار في لعبة التعويل على عامل الوقت وعطالة سياسية، تأمين الموارد من جيوب المواطنين، وصولاً لتقنين الدعم عبر بطاقة تشبه البطاقة الذكية في سوريا وإلخ، دون أي اطلاع على نتائج ما كتب في هذا الدفتر على الوضع السوري المتدهور.

اقرأ أيضاً: تعثر اللجنة الدستورية أكبر من خلاف على أجندة اجتماع- بلال سليطين

بالمحصلة إننا أمام بلدين جارين يؤثران ويتأثران ببعضهما البعض، ويواجه كل منهما أزمة سياسية، مع فارق أن سوريا غير معتادة على الأزمات السياسية وتفتقد للمرونة بخلاف لبنان المعتاد على الخلافات السياسية ولطالما امتلك سياسيوه المرونة لإيجاد المخارج، لكنهم في أزمتهم الراهنة بعيدون كل البعد عن هذه المرونة وكلما طال بعدهم طالت الأزمة في بلدهم وأثرها على سوريا، ما يجعل إيجاد حلول في لبنان حاجة ماسة للسوريين واللبنانيين معاً، فكما تقول القيادات والوقائع الأثر متبادل، وفي ظل العلاقة الراهنة مع تركيا وتعقيدات الطريق إلى العراق واعتبارات الأردن لا بدائل عن لبنان على الصعيد الاقتصادي بالنسبة لسوريا اليوم، وبالتالي فإنه أياً كان المسار الذي سيمضي به “لبنان” سلباً أو إيجاباً فإن صداه سيسمع بسوريا التي يرى كثيرون أن بإمكانها بقليل من المرونة السياسية المساهمة في إحداث تغيير إيجابي وحلحلة هذا الاستعصاء السياسي الحالي بالدولة الجارة.

تابعوا الكاتب على فيسبوك: belal slyten
تابعوا الكاتب على تويتر: belal slyten

اقرأ أيضاً: هل نحن حقاً عاجزون؟ بلال سليطين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى