أخر الأخبارالرئيسيةرأي وتحليل

سوريا في لعبة التفاوض … هات وخود

2022... عام "هات وخود"

في شهر تموز من العالم الماضي اتفق الروس والأميركان على تمرير مشروع تمديد آلية المساعدات العابرة للحدود والتي ترفضها دمشق ولا تمر عبرها، لستة أشهر إضافية قابلة للتمديد بحسب وكالة سانا، وتم حصرها بمعبر باب الهوى مع تركيا مع إغلاق معبر اليعربية.

سناك سوري – بلال سليطين

الاتفاق جاء بعد مفاوضات حادة وحاسمة بين اللاعبين الدولين الرئيسيين في الملف السوري “الروسي والأميركي” وجاء كاختبار لقدرة الرئيسين “بايدن” و”بوتين” على التواصل من جديد في الملف السوري والاتفاق بعد فترة طويلة من شبه القطيعة في عهد الرئيس السابق “دونالد ترامب” والذي تمت محاولة محاصرته داخلياً وقطع طريق تواصله مع “روسيا”، إضافة لرفض “روسيا” الرسائل التي تحدث عنها “جيمس جيفري” المبعوث الأميركي لملف سوريا بعهد “ترامب”.

الوصول لاتفاق لم يكن ناجم عن قناعات الطرفين بموضوع التفاوض، وإنما جاء بسبب المقايضة الواضحة والصريحة والعلنية، حيث وافق الروس على المشروع بعد أن وافقت أميركا على مشاريع التعافي المبكر واستثنائها من العقوبات إضافة لاستثناءات صحية أخرى مرتبطة بانتشار فيروس كورونا.

يعد هذا الاتفاق المؤشر الواضح والجلي للسياسة الدولية حول سوريا والتي تقوم على مبدأ “هات وخود”، وبوضوح أكثر ماذا يمكنك أن تعطينا حتى نعطيك في المقابل سواء كان في الجانب السياسي أو الاقتصادي أو حتى الإنساني كما في ملف المساعدات مقابل تقليص جزئي للعقوبات.

اقرأ أيضاً نحنا عنا أجمل بلد بالعالم – بلال سليطين

على الرغم من أهمية هذا الاتفاق وانعكاساته على مختلف المناطق السورية على اختلاف جهات السيطرة إلا أنه يبقى اتفاق مقايضة بالمصلحة، مايعني أن كل انفراجة في البلاد يجب أن تضمن فعلاً ورد فعل أو عطاءاً مقابل آخر، وهو ما يعني استنزافاً طويل الأمد للطاقة والوقت، وإدارة طويلة الأمد للصراع في البلاد.
في الوقت عينه لم تعد سوريا الملف الرئيسي في العالم ولن تعود في ظل الضغط الهائل الذي يمارسه الغرب على روسيا ويصل لحدودها في أوكرانيا وكازاخستان، وهي عوامل ضغط شديدة على الروس تجعل قدرتهم على التفاوض تَضعُف ويُعاد ترتيب أولوياتها على قاعدة الأذى والفائدة.

سياسة هات وخود لا تقتصر على الجانبين الروسي والأميركي فحتى في العلاقات العربية مع دمشق (والتي يمر معظمها عبر موسكو حالياً) وعودتها قائمة على سياسة هات وخود، أعطنا هذا الملف وخذ مقابله دعماً اقتصاديا، اقطع العلاقة مع هذه الدولة وخذ هذه المساهمة في إعادة الإعمار وهكذا، لن يكون هناك شيء مجاني وهذا بالمناسبة يفسر طول فترة النقاش العربي حول عودة سوريا لجامعة الدول العربية واستعادة الدول العربية لعلاقاتها مع دمشق فهذه العلاقة بقيت محدودة رغم فتح السفارات ولم تتعدَّ الصور التذكارية ومشاركات رمزية في معارض، فهذه حدود الصفقة التي بنيت عليها “هذا الرد ينسجم مع هذا الفعل والعكس”.

مع دخول عام 2022 يبدو أنه سيكون عام هات خود بشكل أكثر وضوحاً من سابقيه بحسب مايقول دبلوماسيون ومراقبون وربما سنجد بشكل علني أكثر ملفات تفاوض ومقايضة علنية في الملف السوري، لكن يبقى تحديد قنوات التفاوض غير محسوم وحتى جهات التفاوض في ظل حاجة سورية لحلول أسرع من ملفات تفاوض طويلة الأمد والابتزاز.

سيناريو “هات وخود” سلاح ذو حدين فمن خلاله تنتزع الأطراف من بعضها تنازلات في موضوعات تم رفض المساس بها في بداية الحرب، ومن جهة أخرى فإنها تساهم في التخفيف من عمق الأزمة المعيشية التي يعيشها المواطن السوري، لكنها في المحصلة لا تحل الأزمة السورية بل تساهم في إطالة أمدها، لذلك تكون الأهمية لوضع الملف السوري ككل على الطاولة لإيجاد حل جذري وليس تجزئته في لعبة وقت يحترق فيها السوريون ومقومات صمودهم.

اقرأ أيضاً الفساد الإيجابي.. جواز السفر السوري نموذجاً بلال سليطين

زر الذهاب إلى الأعلى