الرئيسيةفنقد يهمك

حمص السورية.. أم الحجارة السود دفعت ضريبة حمايتها

التاريخ العمراني لحمص التي تحتضن كنيسة بنيت في القرن الأول الميلادي

سناك سوري – حسان ابراهيم

يعزي بعض المؤرخين تسمية محافظة “حمص” بهذا الاسم لكلمة “حث” وهو اسم القبيلة التي سكنتها زمن الآراميين، ورواية أخرى ترجع السبب لاسم بانيها “حمص بن مكنف العمليقي”، وآخرون يرون بأنَّ “حمص” كلمة آرامية معناها الأرض اللينة، لكن الرواية الأرجح هي نسبتها للشخص الذي أنشأها ويدعى “حمث بن كنعان” فسميت باسمه، ومع مرور الوقت أخذت لفظها الحالي “حمص”،بحسب ما ذكر في مؤلف ‘‘نعيم سليم الزهراوي’’ بعنوان ‘‘ العمارة الأبلقية الأثرية والتراثية بـ”حمص” في جزئه الثامن.

“حمص” غنية بالشواهد العمرانية الأثرية التي تدلُّ على حضارةٍ عريقةٍ نشأت فيها، تاريخ بعضها يعود لفترة ما قبل الميلاد، لكنها برزت وأخذت شكلها الحالي في القرون الميلادية الأولى وخاصةً الكنائس التي شيدت فيها، حيث يقول الشماس “انطونيوس يوسف” لـ “سناك سوري” :«لدينا كنيسة ”أم الزنار” التي بنيت في القرن الأول الميلادي، التي تم نحت هيكلها في الصخر وشيد من الحجارة السوداء في حينها، وكذلك الكنيسة القديمة في دير القديس  “اليان الحمصي” التي بُنيت في عام 432 م، إضافة لكنيسة “الأربعين شهيداً” للروم الأرثوذكس التي شيدت في القرن الرابع للميلاد، وجميعها مبنية من الحجارة السوداء التي تشتهر بها مدينة “حمص”، وحتى بعض آثار البيوت التي كانت حولها تظهر الاستخدام القديم جداً لتلك الحجارة في المدينة».

اقرأ أيضاً:النكتة الحمصية… السوريون يشتاقون لعبارة “مرة واحد حمصي”

ضريبة الحماية 

المدينة القديمة في “حمص” من أقدم المدن السورية التي رصفت أرضية شوارعها بالحجارة السوداء بشكلٍ كامل منذ ما يزيد عن سبعمئة عام، هذا ما أكده الدكتور “عبد الرحمن البيطار” رئيس فرع الجمعية التاريخية السورية في المدينة حيث قال: « جميع الرحالة الذين زاروا المدينة أكدوا ذلك في رواياتهم، وهذا دليلٌ على التصميم العمراني المميز الذي كان سائداً حينها، إضافةً لتوفر هذا النوع من الحجر البازلتي الصلب في أراضيها، والتي كانت تسمى “الوعر”، وقد كان ينقل على ظهور الجمال والخيول من قبل عائلات محدَّدة منهم “آل رجوب” الذين امتهنوا عملية النقل ولقِّبوا  “الجمَّالة”، أمَّا عملية البناء فقد كانت تحتاج لمهارة خاصة بتكسير الحجر وتهذيبه ليأخذ الشكل المطلوب له، وامتهنتها عائلات مثل “خزام” و “برجود”  و “الحجَّار” حيث نالت الأخيرة كنيتها من وراء العمل بهذه المهنة».

طقوس الحجارة

في عودةٍ لمؤلف ‘‘نعيم سليم الزهراوي’’ المذكور سابقاً، نجده يتحدث عن الطقوس الخاصة بمهنة  “الحجَّارة” بدءاً من عملية تجمعهم ضمن قافلة بقيادة شيخ الشيوخ، حيث كانت تتجمع القوافل في ساحة “باب هود” التي أنشأها “ابراهيم باشا المصري” بعد دخوله لمدينة “حمص”، وتسير برفقة حامية خاصة لها من الجنود، وعند عودة “الحجَّارة” يقوم كلُّ منهم بدفع ضريبة نسبتها الربع “حجر واحد عن كلِّ أربع أحجار” إلى شيخ الشيوخ، الذي بدوره يكون قد دفع تكلفة حراستها لقائد الحامية، ويتم ذلك خلال فصلي الربيع والصيف فقط، ليتم تشحيفها وصقلها في البيوت خلال موسم الشتاء».

الأبنية الأثرية الشاهدة للعيان حالياً في وسط مدينة “حمص”، هي الأخرى مبنية من الحجر الأسود وقد صممها وأشرف على تنفيذ بنائها المهندس “محمد أنيس بن الحاج حسين آغا” الذي قدم إلى المدينة عام 1869 بأمرٍ من السلطان العثماني آنذاك “عبد العزيز”، وفي عام  1870 تمَّ تكليفه بتحسين الواجهة العمرانية للمدينة من قبل السلطان “عبد الحميد”، ومعه بدأ التوسع العمراني خارج أسوار المدينة القديمة، ومن أشهر الأبنية التي صممها دار الحكومة “السرايا” سنة 1886 التي كانت قائمة في وسط شارع “القوتلي” وتم هدمها في خمسينيات القرن الماضي، وكذلك بعض البيوت العائدة لبعض عائلات “حمص” ومنها قصر “عبد الحميد الدروبي” الذي يشغل مقر الجمعية التاريخية قسماً منه، وقد اتخذت تلك النماذج من الأبنية مسمى “العمارة الأبلقية”.
تشتهر حمص السورية بأنها أم النكتة في سوريا، كما أنها توصف بأم الحجارة السود، لكن بالغوص عميقاً في تاريخها يمكن القول انها أم من أمهات التاريخ السوري.

اقرأ أيضاً:حمص تحيي خميس الحلاوة… سادس خميسات الربيع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى